دعا فتاة للإسلام وأبدت رغبتها الشديدة للدخول في الإسلام ، ويريد الزواج منها كزوجة ثانية ويريد المشورة
أنا شخص متزوج ولدي طفل ، وحياتي مع زوجتي مستقرة ، وقد سافرت إلى دولة إسلامية للدراسة ، وخلال دراستي تعرفت على أصدقاء أجانب ، وكان من ضمنهم فتاة كنت أرسلت لها موقعًا للتعريف بالإسلام ، وكنت أحادثها أحيانًا عن الإسلام ، وحدثت بيننا علاقة حب لا علاقة جنسية ، أعلم أنها لا تجوز ، فالمرأة الآن على استعداد للدخول في الإسلام ، وقد طلبت منها مرارًا أن تقرأ ؛ لأني أشعر أنها دخلت في الإسلام عندما عرفت مني أني لا أستطيع أن أرتبط إلا بمسلمة ، وهي أخبرتني أنني السبب الأول ، فقلت لها: هذا لا يجوز، بل يجب أن تقتنعي قناعة من داخلك ، ودعوتها لتقر أ، وحاولت أن أشرح لها ما استطعت ، فقالت: إنها بدأت تحب الإسلام .
وأسئلتي هي :
1- كيف أتزوجها زواجًا شرعيًا ، علمًا أنه ليس من أهلها من هو مسلم إطلاقًا ؟
وهي أيضا تدرس في ماليزيا على نفقة والديها وتخاف أن تخبرهم بأنها تريد الزواج فيقطعوا عنها المساعدة فلا تستطيع إكمال الدراسة ، فهل يجوز الزواج منها بدون علم أهلها ؟
2- بالنسبة لمسألة التعدد : لي سنتين وأنا أراود نفسي ، واقرأ الكثير من المواقع وآراء العلماء ، ولكني رأيت ولاحظت أن جميعهم لا يحبذ فكرة أن يتزوج الرجل بزوجة ثانية ، ولا أعلم سبب هذه الهجمة ، فمنهم يقول : إذا كنت مرتاحا مع أسرتك فلا داعي ، فهل أبيح التعدد فقط إذا كان هناك مشاكل ، حيث وإني أحب زوجتي ، ولكني أيضا أصبحت أحب هذه المرأة ايضاً
فهل أيضا يجب أن أكره زوجتي لكي أفكر في الزواج مرة أخرى ، أصبحت أشعر من كلامهم أن التعدد شبه حرام ، من كثر ما يخوفونا منه ، فهل أنا آثم إذا تزوجت الثانية ؟ وهل إذا صارت هناك مشاكل من الزواج الثاني فهل أنا آثم لأني أقدمت عليه ؟
أرجو النصح والمشورة حيث إني أصبحت أعاني من هذا .
الجواب
الحمد لله.
أولا:
الدعوة إلى الإسلام أشرف الوظائف ، قال تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ
دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )
سورة فصلت / 33 .
وهي وظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ويجب على الداعي أن يكون على بصيرة في
دعوته إلى الله تعالى ، وأن يجاهد نفسه في سبيلها .
وما ذكره السائل من وقوعه في علاقة مع فتاة لا تحل له : أمر منكر ، يجب عليه أن
يجاهد نفسه على التخلص منه ، وعدم الاستمرار فيه .
وليس يفهم من هذا أن تُترَك هذه الفتاة دون دعوة إلى الإسلام ، بل ينبغي له أن
يستمر في ذلك بواسطة غيره من النساء الداعيات ، أو بواسطة دعاة رجال تؤمن عليهم
الفتنة ، و( لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ) .
واللائق بالمسلم الداعي إلى الله أولا : أن يقف وقفة حازمة ، وينتهي عن الخوض في
أمر يعلم حرمته ، ويخشى من عواقبه الوخيمة على دينه ودنياه ، ثم يبدأ ثانيا بالتماس
السبل المباحة للوصول إلى مراده .
فإن تيسر السبيل الحلال بعد ذلك : فالحمد لله ، وإن لم يتيسر له مراده ، أو حال دون
ذلك عقبات ، فيكون قد قطع علائقه من هذه الفتاة ، وأَمِن من خطوات الشيطان التي قد
تقوده إلى الموبقات ، بعد أن كان من الداعين إلى دين الله العظيم ، وكم من الناس من
استدرجهم الشيطان بمثل تلك الخيوط ، حتى أوقعهم في مهاوي المنكر والفحشاء .
وتأمل قوله تعالى :( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ
الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) النازعات / 40-41 ؛ ألسنا نخاف من
القيام بين يديه تعالى للجزاء ؟
قال ابن تيمية : " وَيَحْتَاجُ الْمُسْلِمُ فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ يَخَافَ اللَّهَ
وَيَنْهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى ، وَنَفْسُ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ : لَا
يُعَاقَبُ عَلَيْهِ ، بَلْ عَلَى اتِّبَاعِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ ، فَإِذَا كَانَتْ
النَّفْسُ تَهْوَى ، وَهُوَ يَنْهَاهَا ، كَانَ نَهْيُهُ عِبَادَةً لِلَّهِ
وَعَمَلًا صَالِحًا " انتهى من "مجموع الفتاوى " (10/635) .
ليس الشجاع الذي يحمي مطيته * يوم النزال ونار الحرب تشتعل
لكن من غض طرفا أو ثنى قدما * عن الحرام فذاك الفارس البطل
فالقوي من يتغلب على دواعي الشهوة ويستعلي على من يزينها له من الشياطين .
قال طاووس : " في قوله تعالى : ( وخلق الإنسان ضعيفا ) : ليس يكون الإنسان في شيء
أضعف منه في أمر النساء " انتهى من " المحرر الوجيز " (2/40) .
وقال ابن القيم " لقد ركب الله سبحانه الطباع على شهوة الصور المستحسنة ، وامتحن
العباد بمجاهدة أنفسهم على الصبر وإيثار ما عنده ، وشرع لهم من الأوراد والعبادات ،
في ليلهم ونهارهم ما ، يستعينون به على محاربة داعي النفس والشيطان ، من الصلوات
الخمس وتوابعها ، ومن الصيام والحج والجهاد الظاهر والباطن " .
انتهى من " كشف الغطاء " لابن القيم (ص/93) .
ثانيا:
إذا كانت هذه الفتاة قد أسلمت حقا : جاز للمسلم الزواج منها ، ويزوجها قريبها
المسلم إن وجد ، وإلا فيزوجها القاضي المسلم ، إذ لا ولاية لكافر على مسلمة ، وينظر
جواب السؤال رقم : (143511) .
وأما إذا كانت هذه الفتاة لم تسلم بعدُ ، فإن كانت كتابية عفيفة ، " نصرانية أو
يهودية " ، فيجوز للمسلم أن يتزوجها ، ويكون وليها أباها ، بل لا يصح عقد النكاح
إلا إذا عقده وليها ، فإن رفض أبوها تزويجك ؛ بغضا لدين الإسلام ، أو خوفا من
إسلامها أو نحو ذلك ، من الأسباب التي لا ترجع لمصلحة ابنته : جاز أن يزوجها الأقرب
فالأقرب من عصباتها ، فإن امتنعوا ، انتقلت الولاية إلى الحاكم المسلم . وينظر
تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم : (111844)
.
وبناء على ذلك فإن كانت هذه الفتاة قد أسلمت ، جاز لك الزواج منها دون علم أهلها ،
وإن كانت كتابية لم تسلم بعد ، فلابد من إخبار أهلها ؛ لأن ولايتهم عليها لا زالت
قائمة .
فإن لم تكن الفتاة مسلمة ولا كتابية : فلا يجوز لك الزواج منها مطلقا ؛ لقوله تعالى
: ( وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ
خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ) البقرة / 221 ، وينظر جواب السؤال
رقم : (26885) .
ثالثا:
الزواج بأكثر من زوجة واحدة أمر مشروع ، بشرط : القدرة المالية ، والقدرة البدنية ،
والقدرة على العدل بين الزواجات ، ولا يتشرط له بغض زوجته الأولى ، أو شيء مما ذكره
السائل في سؤاله؛ ولم يقل أحد من أهل العلم : إن الزواج إنما أبيح عند وجود المشاكل
، ولعل ما سمعته أو قرأته من تحذيرٍ من التعدد إنما كان في قضايا عينية يكون فيها
حال المستفتي لا يسمح بالتعدد ، سواء لخوف عدم العدل ، أو لضعفٍ في قدرته البدنية ،
أو المالية ، أو غير ذلك من الأسباب التي لا ترجع إلى أصل حكم التعدد ، بل لما يحف
تلك القضية العينية من ملابسات ، حتى لقد ذهب بعض العلماء إلى أنه ، من حيث الأصل ،
أفضل من الاقتصار على زوجة واحدة ، وينظر جواب السؤال رقم : (49044)
.
فإن كنت تقدّر حصول مشاكل بسبب زواجك الثاني ، فأنت طبيب نفسك ، وعليك أن توازن بين
المصالح المترتبة على زواجك الثاني ، والمفاسد أيضا المترتبة على ذلك ، على أن يكون
ميزانك صحيحا عند التقدير ، فإن كان الميزان مختلا بسبب ما داخل قلبك من حب الفتاة
الأخرى ، أو طول غربة عن الزوجة الأولى ، فلا تقدم حتى تمهد لقدمك موطئها ، وإلا
كنت كمن جنى على نفسه ، لا غيرك الذي جنى ، والعاقل : لا يبني قصرا ، ويهدم مصرا ،
بل يرى أين يضع قدمه أولا ، ثم يخطو .
والناس في هذا الشأن يختلفون اختلافا بيّنا ، بحسب قبائلهم ومناطقهم ، فمن المناطق
ما يشيع فيها التعدد ويكون الخطب فيه هينا ، ومنها ما يكون فيها التعدد سببا لتفرق
الأسرة والأولاد ، وحدوث المشاكل العظيمة .
ثم هذا كله أمر في جانب ، وكون هذه الفتاة ، بالظروف التي ذكرتها : أمر آخر ، يدعوك
إلى أن تتريث في الأمر ، وتفكر جيدا في عواقب زواجك بها ، بالصورة الممكنة لك ، وما
يمكن أن يترتب على ذلك .
ولو استشرتنا ، لقلنا لك ، بعد ذلك كله : السلامة لا يعدلها شيء ؛ والنساء سواها
كثير ، متى احتجت إلى زوجة أخرى .
لم نحرم عليك شيئا ، وإن رأيته كذلك ، لأنه مخالف لهواك ؛ فقط : أشرنا عليك بما
يبدو أنه الأسلم لك ، والأنسب لظروفك .
فإن شق عليك وعليها ذلك ، أو خفتما العنت ، فلا حرج عليك ، ولا إثم في الزواج بها ،
ثم أنت أبصر بأمرك ، وأدرى بشأنك ، وحجيج نفسك ، وقد قال الله تعالى : ( بَلِ
الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ )
القيامة/14-15 .
والله أعلم .