ما معنى قولنا " سبحان ربي العظيم " ، " سبحان ربي الأعلى " في الركوع والسجود ؟ وهل يتعين التأمل في المعنى عند ترديد هذه العبارات ، أم المطلوب هو التأمل في جلال الله وكماله في الركوع ، وعلوّه أثناء السجود .. الخ ؟
الحمد لله.
أولا :
التسبيح معناه : تنزيه الله تعالى عن كل نقص وعيب ، فإذا قلت : سبحان الله ، فالمعنى : أنزهك يا رب وأنفي عنك كل نقص وعيب .
وقد سبق بيان معنى التسبيح مفصلا في جواب السؤال رقم : (170072) .
ومعنى (العظيم ) : ذو العظمة البالغة ، ومعنى ( الأعلى ) : العلي في ذاته ، والعلي في صفاته .
ثانيا :
المتعين على المصلي أن يتأمل في معانى ما يتلوه من قرآن وأذكار ؛ وكل تلاوة أو ذكر فإنه مطالب باستحضار معناه بخصوصه ؛ لما في كل كلمة من مفردات الصلاة من أسرار وحكم ومعانٍ يتحقق للعبد بها من الخير والنفع بقدر ما أتى به من خشوع قلب واستحضار المعنى ، وينقص عن العبد من الخير والنفع بقدر ما أضاع وفرط من الاستحضار والخشوع .
وليس استحضار المعاني خاصاً بأقوال الصلاة فقط ، بل إن العبد مطالب باستحضار المعاني العظيمة لأفعال الصلاة أيضا .
قال الشيخ ابن عثيمين : " من أسباب عدم شرود الذهن : أن يتتبع الإنسان ما يقوله أو يفعله ويتدبر المعاني العظمية التي من أجلها شرع هذا القول أو هذا الفعل ، ففي حال الركوع مثلا شرع الركوع لتعظيم الإنسان ربه بفعله وقوله ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أما الركوع فعظموا فيه الرب ) والانحناء أمام الله عز وجل تعظيم له بالفعل ، وقول : سبحانك ربي العظيم تعظيم له بالقول ، بقي أن يعظمه الإنسان بالقلب وهذا لا يحصل إلا بحضور القلب ، ففي الركوع تعظيم قولي وفعلي وقلبي " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (8/2) بترقيم الشاملة .
وقال ابن رجب : " إذا ذل العبد لربه بالركوع والسجود ، وصف ربه بصفات العز والكبرياء والعظمة والعلو ، فكأنه يقول : الذل والتواضع وصفي ، والعلو والعظمة والكبرياء وصفك ، فلهذا شُرع للعبد في ركوعه أن يقول : " سبحان ربي العظيم " وفي سجوده : " سبحان ربي الأعلى " . وكان صلى الله عليه وسلم أحيانا يقول في ركوعه وسجوده : " سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة " انتهى بتصرف من " الخشوع في الصلاة " (ص41-43) .
وقول السائل : " هل يتعين التأمل في المعنى عند ترديد هذه العبارات ، أم المطلوب هو التأمل في جلال الله وكماله في الركوع ، وعلوّه أثناء السجود "
فالجواب أن المطلوب من المصلي أن يتأمل معنى ما يقوله من قراءة وأذكار ، وما يفعله من أفعال ، والركوع والسجود شرعا لتعظيم الله تعالى ، والذكر المشروع فيما يدل على ذلك التعظيم والإجلال .
وعليه ؛ فمن تأمل معنى ما يقول من أذكار في الركوع والسجود قاده ذلك إلى التأمل في عظمة الله تعالى وجلاله ولا بد ، لكن ينبغي أن يكون تأمله بقدر ما يقول ويفعل في الصلاة ، ولا يبالغ في ذلك ، فإن ذلك وسواس من الشيطان حتى يشغله عن صلاته .
قال الغزالي في " إحياء علوم الدين " (1/150) : " واعلم أن من مكايده [ يعني: الشيطان ] أن يشغلك في صلاتك بذكر الآخرة وتدبير فعل الخيرات ليمنعك عن فهم ما تقرأ ، فاعلم أن كل ما يشغلك عن فهم معاني قراءتك فهو وسواس" انتهى .
والله أعلم .