لو أعطى الله كل سائل من خلقه مسألته ، ما نقص ذلك مما عند الله شيئا

04-10-2014

السؤال 222119


قرأت في الحديث القدسي : ( ما نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ) ، فهل هذا من باب المجاز للإشارة بأن ما عند الله عز وجل لا ينفد أو ينقص للدلالة على عظمته وقوته ؟ حيث أخبرني أحدهم بأنه قد يكون هذا مما تستعمله العرب للدلالة على معنى عدم نقص الشيء ، فهل يفهم الحديث على أنه من باب المجاز أم لا ؟

الجواب

الحمد لله.


روى مسلم (2577) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : ( يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ) .

فقوله تعالى : ( مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ) المقصود منه تحقيق عدم النقص وتأكيده ، فكما أن المخيط إذا أدخل البحر ثم أخرج منه لم ينقص من ماء البحر شيئا ، فكذلك : لو أعطى الله كل واحد من الجن والإنس مسألته لم ينقص ذلك مما عنده شيئا .
وهذا أسلوب من أساليب تأكيد الكلام في اللغة العربية ، وهو تأكيد الكلام بما يشبه النفي ، فإن السامع إذا سمع : لا ينقص إلا كذا ... يظن لأول وهلة أنه ينقص ، ولكنه عندما يستمع باقي الكلام يدرك أن المقصود به تأكيد عدم النقص .

قال النووي رحمه الله :
" مَعْنَاهُ : لَا يُنْقِصُ شَيْئًا أَصْلًا ، كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : ( لَا يَغِيضُهَا نَفَقَة ٌ) أَي : لَا يَنْقُصُهَا نَفَقَةٌ ؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ لَا يَدْخُلُهُ نَقْصٌ ... فَضَرَبَ الْمَثَلَ بِالْمِخْيَطِ فِي الْبَحْرِ ، لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الْقِلَّةِ ، وَالْمَقْصُودُ التَّقْرِيبُ إِلَى الْإِفْهَامِ بِمَا شَاهَدُوهُ ، فَإِنَّ الْبَحْرَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَرْئِيَّاتِ عَيَانًا وَأَكْبَرِهَا ، وَالْإِبْرَةُ مِنْ أَصْغَرِ الْمَوْجُودَاتِ ، مَعَ أَنَّهَا صَقِيلَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَاءٌ " انتهى من " شرح النووي على مسلم " (16/133) .

وقال ابن رجب رحمه الله :
" وَقَوْلُهُ : " ( لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ) تَحْقِيقٌ ؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَهُ لَا يَنْقُصُ الْبَتَّةَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ) النحل/ 96 ، فَإِنَّ الْبَحْرَ إِذَا غُمِسَ فِيهِ إِبْرَةٌ ، ثُمَّ أُخْرِجَتْ لَمْ يَنْقُصْ مِنَ الْبَحْرِ بِذَلِكَ شَيْءٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ شَرِبَ مِنْهُ عُصْفُورٌ مَثَلًا ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقُصُ الْبَحْرَ الْبَتَّةَ ، وَلِهَذَا ضَرَبَ الْخَضِرُ لِمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ هَذَا الْمَثَلَ فِي نِسْبَةِ عِلْمِهِمَا إِلَى عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فقال له : ( مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ ) ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَحْرَ لَا يَزَالُ تَمُدُّهُ مِيَاهُ الدُّنْيَا وَأَنْهَارُهَا الْجَارِيَةُ ، فَمَهْمَا أُخِذَ مِنْهُ لَمْ يَنْقُصْهُ شَيْءٌ ، لِأَنَّهُ يَمُدُّهُ مَا هُوَ أَزْيَدُ مِمَّا أُخِذَ مِنْهُ " انتهى من " جامع العلوم والحكم " (2/49) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" ولننظر إلى المخيط غمس في البحر ، فإذا نزعته لا ينقص البحر شيئا أبدا ، ومثل هذه الصيغة يؤتى بها للمبالغة في عدم النقص ؛ لأن عدم نقص البحر في مثل هذه الصورة أمر معلوم ، فمستحيل أن البحر ينقص بهذا ، فمستحيل أيضا أن الله عز وجل ينقص ملكه إذا قام كل إنسان من الإنس والجن ، فقاموا فسألوا الله تعالى ، فأعطى كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك من ملكه شيئا " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (8/ 250) .

وقال رحمه الله – أيضا - :
" قول الله عز وجل في الحديث القدسي : ( يا عبادي : لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم ، قاموا في صعيد واحد ، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر ) .
هل ينقص ؟ لا ، لكن هذا من باب تأكيد الشيء بما يشبه النفي ، ( ما نقص إلا .... ) تتوقع أنه سيأتي شيء بيِّن أنه ناقص ، قال : إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر " انتهى .
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=127737

إذن فمعنى الحديث : تأكيد أن ما عند الله تعالى لا ينقص أبدا ، ولا يقال إن هذا مجاز ، بل هذا هو ظاهر اللفظ وما يدل عليه .

والله أعلم .

الأسماء والصفات شروح الأحاديث
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب