حكم التسجيل في نظام خدمة التقاعد الاختياري لموظفي البنوك الربوية
إذا أراد أحدهم ترك وظيفته في البنك بسبب الربا يوجد أمامه خياران إما أن يتقدم باستقالته أو أن يسجل في نظام خدمة التقاعد الاختياري، حيث يحصل الموظف في هذا الخيار على أموال أكثر وذلك بناءً على أساس المدة المتبقية له في العمل حتى سن التقاعد بينما في حال الاستقالة يحصل الموظف على الأموال المتراكمة بعد سداده التزاماته (القروض التي حصل عليها من البنك) ، فأيهما يجوز شرعاً في الإسلام؟
الجواب
الحمد لله.
العمل في البنوك الربوية حرام ؛ لأن العامل أو الموظف إما أن يكون مشاركا في
الأعمال الربوية مباشرة , فيلحقه حينئذ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي
لآكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ . وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ
، رواه مسلم (1598). وإما أن يكون غير مباشر لهذه الأعمال فيكون متعاونا مع
المرابين على الإثم والعدوان , وهذا محرم بقوله تعالى : (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى
الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )
[المائدة: 2] , فالواجب على من ابتلي بالعمل في هذه البنوك أن يتركها فورا , وتراجع
الفتوى رقم (866).
وأما بخصوص هذا السؤال فلا يجوز لهذا الموظف الذي يريد ترك العمل في البنك أن يشترك
في نظام التقاعد الاختياري , وذلك لأن نظام التقاعد الاختياري غير جائز حتى وإن كان
العمل مباحا ؛ لما يشتمل عليه من غرر وربا . كما سبق بيانه في الفتوى رقم (42567)
.
ويبقى النظر في المستحقات المالية حال الاستقالة , فإن كان الموظف عالما بالتحريم
من أول فترة عمله فلا يجوز له أن ينتفع بشيء من مستحقات نهاية الخدمة مطلقا , وليس
معنى هذا أن يترك مستحقاته للبنك , بل عليه أن يأخذها ويصرفها في وجوه الخير من
إعانة الفقراء والمساكين من المسلمين ونحو ذلك ؛ كما يجوز له أن يصرفها في وجوه
الخير العامة كبناء المساجد والمستشفيات ونحو ذلك , فإن كان فقيرا محتاجا إلى المال
جاز له أن يأخذ من هذا المال قدر كفايته , وكذا إن كان أولاده فقراء وهو لا يجد بعد
الاستقالة ما ينفقه عليهم , فيجوز له حينئذ أن ينفق عليهم من هذا المال بل هم أولى
به من غيرهم من الفقراء , جاء في المجموع شرح المهذب (9 / 351) " وَإِذَا دَفَعَهُ
(المال الحرام) إلَى الْفَقِيرِ لَا يَكُونُ حَرَامًا عَلَى الْفَقِيرِ , بَلْ
يَكُونُ حَلَالًا طَيِّبًا , وَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ
وَعِيَالِهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا ؛ لِأَنَّ عِيَالَهُ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ
فَالْوَصْفُ مَوْجُودٌ فِيهِمْ بَلْ هُمْ أَوْلَى مَنْ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ ,
وَلَهُ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ لِأَنَّهُ أَيْضًا فَقِير"
انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فَإِنْ تَابَتْ هَذِهِ الْبَغِيُّ وَهَذَا
الْخَمَّارُ وَكَانُوا فُقَرَاءَ جَازَ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِمْ مِنْ هَذَا
الْمَالِ مِقْدَارُ حَاجَتِهِمْ , فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ يَتَّجِرُ أَوْ يَعْمَلُ
صَنْعَةً كَالنَّسْجِ وَالْغَزْلِ أُعْطِيَ مَا يَكُونُ لَهُ رَأْسُ مَالٍ " انتهى
من مجموع الفتاوى (29 / 309).
أما إن لم يكن الموظف عالما بالتحريم فيجوز له حينئذ الانتفاع بهذه المستحقات التي
يأخذها عند الاستقالة , فإن علم بالتحريم واستمر يمارس عمله بعد العلم , ففي هذه
الحالة يجوز له أن يأخذ المقابل عن المدة التي عمل فيها في البنك الربوي قبل العلم
بالتحريم , ولا يجوز له أن يأخذ عن المدة التي عمل فيها وهو عالم بالتحريم , وقد
أفتى بذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله . وسبق أن ذكره فتواه في جواب
السؤال رقم (12397).
والله أعلم.