الحمد لله.
العمل في البنوك الربوية حرام ؛ لأن العامل أو الموظف إما أن يكون مشاركا في الأعمال الربوية مباشرة , فيلحقه حينئذ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لآكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ . وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ ، رواه مسلم (1598). وإما أن يكون غير مباشر لهذه الأعمال فيكون متعاونا مع المرابين على الإثم والعدوان , وهذا محرم بقوله تعالى : (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [المائدة: 2] , فالواجب على من ابتلي بالعمل في هذه البنوك أن يتركها فورا , وتراجع الفتوى رقم (866).
وأما بخصوص هذا السؤال فلا يجوز لهذا الموظف الذي يريد ترك العمل في البنك أن يشترك في نظام التقاعد الاختياري , وذلك لأن نظام التقاعد الاختياري غير جائز حتى وإن كان العمل مباحا ؛ لما يشتمل عليه من غرر وربا . كما سبق بيانه في الفتوى رقم (42567) .
ويبقى النظر في المستحقات المالية حال الاستقالة , فإن كان الموظف عالما بالتحريم من أول فترة عمله فلا يجوز له أن ينتفع بشيء من مستحقات نهاية الخدمة مطلقا , وليس معنى هذا أن يترك مستحقاته للبنك , بل عليه أن يأخذها ويصرفها في وجوه الخير من إعانة الفقراء والمساكين من المسلمين ونحو ذلك ؛ كما يجوز له أن يصرفها في وجوه الخير العامة كبناء المساجد والمستشفيات ونحو ذلك , فإن كان فقيرا محتاجا إلى المال جاز له أن يأخذ من هذا المال قدر كفايته , وكذا إن كان أولاده فقراء وهو لا يجد بعد الاستقالة ما ينفقه عليهم , فيجوز له حينئذ أن ينفق عليهم من هذا المال بل هم أولى به من غيرهم من الفقراء , جاء في المجموع شرح المهذب (9 / 351) " وَإِذَا دَفَعَهُ (المال الحرام) إلَى الْفَقِيرِ لَا يَكُونُ حَرَامًا عَلَى الْفَقِيرِ , بَلْ يَكُونُ حَلَالًا طَيِّبًا , وَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا ؛ لِأَنَّ عِيَالَهُ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ فَالْوَصْفُ مَوْجُودٌ فِيهِمْ بَلْ هُمْ أَوْلَى مَنْ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ , وَلَهُ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ لِأَنَّهُ أَيْضًا فَقِير" انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فَإِنْ تَابَتْ هَذِهِ الْبَغِيُّ وَهَذَا الْخَمَّارُ وَكَانُوا فُقَرَاءَ جَازَ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ مِقْدَارُ حَاجَتِهِمْ , فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ يَتَّجِرُ أَوْ يَعْمَلُ صَنْعَةً كَالنَّسْجِ وَالْغَزْلِ أُعْطِيَ مَا يَكُونُ لَهُ رَأْسُ مَالٍ " انتهى من مجموع الفتاوى (29 / 309).
أما إن لم يكن الموظف عالما بالتحريم فيجوز له حينئذ الانتفاع بهذه المستحقات التي يأخذها عند الاستقالة , فإن علم بالتحريم واستمر يمارس عمله بعد العلم , ففي هذه الحالة يجوز له أن يأخذ المقابل عن المدة التي عمل فيها في البنك الربوي قبل العلم بالتحريم , ولا يجوز له أن يأخذ عن المدة التي عمل فيها وهو عالم بالتحريم , وقد أفتى بذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله . وسبق أن ذكره فتواه في جواب السؤال رقم (12397).
والله أعلم.
تعليق