الحمد لله.
ثانيا :
أما أموال المشاركات التي كان مضارِبا بها ، فلابد من النظر : كيف فقدها ؟
فإن كان فقدها بدون تقصير منه ، كما لو خسرت التجارة ، أو انهدم المحل ، أو سرق
ونهب ، بدون تقصير منه في حفظه : فلا ضمان عليه لهذه الأموال ، ولا يلزمه إرجاعها
إلى شركائه .
وأما إن كان فقدها بتقصير منه : فالواجب عليه أن يضمنها لأصحابها ، وتكون دينا عليه
يجب عليه أن يقضيه متى تمكن من ذلك .
وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (184476)
.
وفي هذه الحالة : لا يجوز مطالبته بالمال ما دام معسرا .
وينبغي عليه أن يكتب تلك
الديون ، التي هي ثابتة في ذمته ، في ورقة ويحتفظ بها، خشية أن يفاجئه الموت قبل
سدادها .
فقد روى البخاري (2738)، ومسلم (1627) عن ابن عمر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ
شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ
مَكْتُوبَةٌ") قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ
مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ
إِلَّا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي " .
ثالثا :
إذا كان هذا الرجل حين أخذ أموال الناس (الديون) عازما على أدائها ، فإن الله تعالى
يؤدي عنه هذه الديون ، إما في الدنيا بأن يغنيه الله ويرزقه مالا يسدد به الديون ،
وإما في الآخرة ، بأن يرضي الله تعالى أصحاب الديون من فضله ولا يأخذ من حسنات هذا
المدين لهم .
روى البخاري (2387) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ
يُرِيدُ أَدَاءَهَا : أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا
: أَتْلَفَهُ اللّه).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
" بشرى للإنسان : أنه إذا أخذ أموال الناس يريد أداءها : أدى الله عنه ، وإذا أخذها
يريد إتلافها : أتلفه الله ، فإذا أخذت أموال الناس بقرضٍ ، أو ثمن مبيع ، أو أجرة
بيت ، أو غير ذلك ، وأنت تريد الأداء : أدَّى الله عنك ، إما في الدنيا ؛ يعينك حتى
تسدد ، وإما في الآخرة . صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أما المتلاعب بأموال
الناس ، والذي يأخذها ، ولا يريد أداءها ، ولكن يريد إتلافها : فإن الله يتلفه ،
والعياذ بالله " انتهى من " شرح رياض الصالحين " (6 / 32) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة
للإفتاء :من مات وعليه دين لم يستطع أداءه لفقره ، هل تبقى روحه مرهونة معلقة ؟
فأجابوا : " أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه )
وهذا محمول على من ترك مالاً يُقضى منه دينه ، أما من لا مال له يقضى منه : فيرجى
ألا يتناوله هذا الحديث ؛ لقوله سبحانه وتعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا
إِلَّا وُسْعَهَا) وقوله سبحانه: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى
مَيْسَرَةٍ) .
كما لا يتناول من بيّت النية الحسنة بالأداء عند الاستدانة ، ومات ولم يتمكن من
الأداء ؛ لما روى البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد
إتلافها أتلفه الله) " .
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/344) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"ومن مات مُعْدِما [لا مال له] : يُرْجَى أن الله يقضي عنه ما عليه " .
انتهى من "الاختيارات" (166).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوَفَاءِ بِغَيْرِ تَقْصِير
مِنْهُ ، كَأَنْ يُعْسِرَ مَثَلًا ، أَوْ يَفْجَأَهُ الْمَوْت ، وَلَهُ مَالٌ
مَخْبُوءٌ ، وَكَانَتْ نِيَّته وَفَاء دَيْنه ، وَلَمْ يُوَفَّ عَنْهُ فِي
الدُّنْيَا ..... الظَّاهِر أَنَّهُ لَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ وَالْحَالَة هَذِهِ فِي
الْآخِرَةِ ، بِحَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ ؛ بَلْ
يَتَكَفَّلُ اللَّهُ عَنْهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث أبي
هريرة" انتهى من " فتح الباري" (5/54) .