الحمد لله.
فالمذكور عن ذي الكفل عليه السلام أنه كان من الصابرين والأخيار ، هكذا ذكره ربنا سبحانه في كتابه ، ولا نعلم عنه غير ذلك ، وليست له قصة تذكر ، وما يذكره الإخباريون والمفسرون فكله منقول عن أهل الكتاب ؛ فالله أعلم بحقيقة ذلك .
وأما ما رواه الترمذي (2496)
، وأحمد (4747) عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( كَانَ الكِفْلُ مِنْ بني إسرائيل لَا يَتَوَرَّعُ
مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا
عَلَى أَنْ يَطَأَهَا ، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنْ
امْرَأَتِهِ ، أَرْعَدَتْ وَبَكَتْ ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ أَأَكْرَهْتُكِ؟
قَالَتْ: لَا وَلَكِنَّهُ عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطُّ، وَمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ
إِلَّا الحَاجَةُ ، فَقَالَ: تَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا وَمَا فَعَلْتِه ِ؟ اذْهَبِي
فَهِيَ لَكِ ، وَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَعْصِي اللَّهَ بَعْدَهَا أَبَدًا،
فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِهِ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ
غَفَرَ لِلْكِفْلِ ) .
فهو حديث ضعيف ، ضعفه محققو المسند ، وكذا الألباني في "ضعيف الترمذي " .
وعلى فرض صحته : فليس هذا هو
ذو الكفل المذكور في القرآن .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" أَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ... - فذكر هذا الحديث -
فَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ.
وَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلَيْسَ هُوَ ذَا الْكِفْلِ . وَإِنَّمَا لَفْظُ
الْحَدِيثِ " الْكِفْلُ " مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ ؛ فَهُوَ رَجُلٌ آخَرُ غَيْرُ
الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ " .
انتهى من"البداية والنهاية" (1/ 519) .
وأما القبر المنسوب إلى ذي
الكفل ببلاد العراق : فهذا لا يعلم له أصل صحيح ، ولا ذكر أحد من أهل العلم له أصلا
، ولا سندا ؛ وإنما ذلك كله من عمل الجهلة الذين يفتنون بأصحاب القبور ، ويتوسلون
بهم إلى ربهم ، وربما عبدوهم من دون الله ، فيسألونهم ويستغيثون بهم وينذرون لهم .
والله تعالى أعلم .