الحمد لله.
والعمل بمقتضى هذا الاسم
يكون بمعرفة كرم الله تعالى وجوده ، وأن خزائنه لا تفنى ، وكرمه وجوده لا حد له ،
فيحسن العبد ظنه بربه ، ويحسن التوكل عليه ، وإذا أذنب تاب إليه وأقبل عليه ، ولم
ييأس من رحمته ، ولا قنط من فضله وجوده ، وإذا سأله أيقن بالإجابة ، وألح عليه في
دعائه .
ومن آثار الإيمان باسميه سبحانه (الكريم، الأكرم) :
أولاً: محبته سبحانه وتعالى على كرمه وجوده ونعمه التي لا تعد ولا تحصى ، والسعي
إلى تحقيق هذه المحبة ، بشكره سبحانه بالقلب واللسان والجوارح، وإفراده وحده
بالعبادة، وأن لا يكون من العبد إلا ما يرضي الله سبحانه، ومجاهدة النفس في ترك ما
يسخطه ، والمبادرة إلى التوبة عند الوقوع فيما لا يرضيه عز وجل ...
ثانيًا: الحياء منه سبحانه والتأدب معه - عز وجل - حيث : مع كثرة معاصي عباده ، إلا
أنه لم يمنع عنهم عطاءه وكرمه وجوده .
وهذا الكرم العظيم يورث في قلب العبد المؤمن حياء وانكسارًا ، وخوفًا ورجاءً ،
وبعدًا عما يسخطه سبحانه وتعالى.
ثالثًا: التعلق به وحده سبحانه ، والتوكل عليه وتفويض الأمور إليه ، وطلب الحاجات
منه وحده سبحانه ، لأنه الكريم الذي لا نهاية لكرمه ، والقادر الذي لا يعجزه شيء في
الأرض ولا في السماء، الحي الذي لا يموت ، بخلاف المخلوق الذي يغلب عليه الشح في
العادة ، ولو كان كريمًا فإن كرمه محدود ، وفان بفنائه ، وقد يريد التكرم على غيره
ولكن عجزه يحول دون ذلك . قال الله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي
لَا يَمُوتُ [الفرقان: 58] ، وقال سبحانه: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ
الرَّحِيمِ (217) [الشعراء: 217] .
وهذا يورث قوة الرجاء ، والطمع في كرمه ورحمته ، وقطع الرجاء من المخلوق.
رابعًا: التخلق بخلق الكرم ، والتحلي بصفة الجود والسخاء على عباد الله تعالى ، فإن
الله - عز وجل - كريم يحب من عباده الكرماء الذين يفرج الله بهم كرب المحتاجين ،
ويغيث بهم الملهوفين. وخلق الكرم الذي يحبه الله تعالى : ليس في الإسراف والتبذير
وتضييع الأموال، وإنما هو التوسط بين الإسراف والتبذير، وبين البخل والشح.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "وقد مدح تعالى أهل التوسط بين الطرفين
المنحرفين في غير موضع من كتابه ، فقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ
يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) [الفرقان: 67]
.
وقال تعالى: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا
كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) [الإسراء: 29]، وقال
سبحانه: وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا
تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) [الإسراء: 26].
فمنع ذي القربى والمسكين وابن السبيل حقهم : انحراف في جانب الإمساك .
والتبذير : انحراف في جانب البذل، ورضا الله فيما بينهما " .
ثم إن الكرم المطلوب من العبد لا يتوقف على الكرم بالمال فحسب، وإنما يدخل فيه
الكرم بالجاه والكرم بالعلم، والكرم بالنفس والجود بها في سبيل الله.
خامسًا: كثرة دعاء الله - عز وجل - وطلب الحاجات منه سبحانه، مهما كان قدر هذه
الحاجة وإحسان الظن به تعالى، فإن تأخير ، أو منع إجابة الدعاء ، وقضاء الحاجة : لا
يقدح في كرم الله سبحانه وجوده، بل إن منعه سبحانه قضاء حاجة عبده المؤمن ، هي في
ذاته كرمًا منه سبحانه ورحمة، إذ قد يكون في قضاء الحاجة التي يلح العبد في قضائها
هلاك له في دينه أو دنياه، والله سبحانه بمنه وكرمه ورحمته لا يستجيب له ، لما يعلم
من ضررها عليه لو حصلت له .
سادسًا: المُكرَم : من أكرمه الله تعالى بالإيمان والهدى ، ولو كان فقيرًا مبتلى .
والمهان : من أهانه الله تعالى بالكفر والفسوق والعصيان ، ولو كان غنيًا ووجيهًا ،
ذا مال وبنين: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج: 18] ..."
انتهى، باختصار من كتاب " ولله الأسماء الحسنى" (594-596) .
ومن أهم ما ينبغي العمل به ،
بمقتضى أسمائه الحسنى سبحانه : سؤاله بها ، والتوسل إليه بها ، كما قال تعالى : (
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) الأعراف/180 .
وهذا من تمام عبوديته سبحانه ، وتمام الفقر إليه .
والله تعالى أعلم .