ما معنى حديث : ( إذا وضعت المائدة فلا يقوم رجل حتى ترفع المائدة ) وهل هو حديث صحيح ؟

24-12-2018

السؤال 294453

يوجد حديث لم أستطع فهمه وربطه بما أعرفه من سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا وُضِعَتِ الْمَائِدَةُ فَلَا يَقُومُ رَجُلٌ حَتَّى تُرْفَعَ الْمَائِدَةُ , وَلَا يَرْفَعُ يَدَهُ , وَإِنْ شَبِعَ حَتَّى يَفْرُغَ الْقَوْمُ , وَلْيُعْذِرْ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يُخْجِلُ جَلِيسَهُ فَيَقْبِضُ يَدَهُ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الطَّعَامِ حَاجَةٌ ) . هل معناه : أنه يحرم القيام حال الفراغ من الأكل ، ويجب الاستمرار بالأكل ، حتى عند الشبع ؟ وهل يشمل ذلك ما إذا كان لكل أحد طعامه الخاص ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

الحديث المذكور : أخرجه ابن ماجه في "سننه" 3295) ، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/74) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (5478) ، من طريق عبد الأعلى بن أعين ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

  إِذَا وُضِعَتْ الْمَائِدَةُ فَلَا يَقُومُ رَجُلٌ حَتَّى تُرْفَعَ الْمَائِدَةُ ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَهُ وَإِنْ شَبِعَ حَتَّى يَفْرُغَ الْقَوْمُ ، وَلْيُعْذِرْ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يُخْجِلُ جَلِيسَهُ فَيَقْبِضُ يَدَهُ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الطَّعَامِ حَاجَةٌ  .

والحديث ضعيف جدا ، فيه عبد الأعلى بن أعين ، قال فيه ابن حبان في "المجروحين" (773) :" يروي عَن يحيى بن أبي كثير ، مَا لَيْسَ من حَدِيثه لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِهِ ". انتهى

والحديث : ضعفه ابن القيسراني في "معرفة التذكرة" (97) .

وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (238) :" ضعيف جدا ". انتهى

وقد جاء في مثل هذا المعنى : حديث آخر ضعيف أيضا .

أخرجه ابن ماجه في "سننه" (3294) ، من طريق الوليد بن مُسْلِمٍ ، عَنْ مُنِيرِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ عَائِشَةَ:( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُقَامَ عَنْ الطَّعَامِ حَتَّى يُرْفَعَ ).

وهذا الحديث : ضعيف جدا ، أيضا ، كما قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (239)

ثانيا :

معنى الحديث المذكور : أن من آداب الطعام ، إن كان المسلم يأكل مع إخوانه : ألا يقوم حتى يفرغ من معه من طعامهم ، فإنه قد يقوم قبل جليسه ، فيحوجه إلى القيام قبل أن يقضي منه حاجته .

وقد عدّه بعض أهل العلم من آداب الطعام .

قال الغزالي في "الإحياء" (2/8) :" أَنْ لَا يَنْظُرَ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَلَا يُرَاقِبَ أَكْلَهُمْ ، فَيَسْتَحْيُونَ ، بَلْ يَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْهُمْ وَيَشْتَغِلَ بِنَفْسِهِ .

وَلَا يُمْسِكَ قَبْلَ إِخْوَانِهِ إِذَا كَانُوا يَحْتَشِمُونَ الْأَكْلَ بَعْدَهُ ؛ بَلْ يَمُدَّ الْيَدَ وَيَقْبِضَهَا ، وَيَتَنَاوَلَ قَلِيلًا قَلِيلًا ، إِلَى أَنْ يَسْتَوْفُوا . فإن كان قليل الأكل توقف في الابتداء ، وقلل الأكل ، حتى إذا توسعوا في الطعام : أكل معهم أخيراً .

فقد فعل ذلك كثير من الصحابة رضي الله عنهم .

فَإِنِ امْتَنَعَ لِسَبَبٍ : فَلْيَعْتَذِرْ إِلَيْهِمْ ، دَفْعًا لِلْخَجْلَةِ عَنْهُمْ "انتهى .

وهذا المعنى طيب ، مع القيد الذي ذكره : " إن كانوا يتحتشمون الأكل بعده " ؛ فمثل هذا من مكارم الأخلاق ، ومعالي الآداب التي ينبغي النظر إليها ، ومراعاتها ، ولو لم يصح بها الحديث ، فإن الخلق الفاضل يدعو الرجل إلى النظر إلى إخوانه ، ومراعاة حاجاتهم ، وأحوالهم.

وقد أوضحه الفقيه ابن حجر الهيتمي أكثر ، فقال في "تحفة المحتاج" (7/438) :" وَلَا يَقُومُ الْمَالِكُ عَنْ الطَّعَامِ ، وَغَيْرُهُ يَأْكُلُ ؛ مَا دَامَ يَظُنُّ بِهِ حَاجَةً ، إلَى الْأَكْلِ وَمِثْلُهُ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ ".

فقيد ذلك بمالك الطعام ، لأنه الذي يخجل الناس من قيامه عادة .

والظاهر أنه يلحق به عامة من يخجل الناس إذا قام هو ، ولم يفرغ من معه ، كما دل عليه عموم عبارة الغزالي .

وقيام المرء هنا قبل جليسه ليس حراما ، فقد نص أهل العلم على كراهته .

 قال الحجاوي في "الإقناع" (3/237) :" ويكره رفع يده قبلهم ، بلا قرينة ، وأن يقيم غيره عن الطعام قبل فراغه ، لما فيه من قطع لذته ، ولا يقوم عن الطعام حتى يرفع ". انتهى

ثالثا :

وأما إن كان لكل أحد من الجلوس طعامه ، بحيث ينفصل عن غيره كما في الأعراس : فلا كراهة هنا ، لأن العلة منتفية .

قال الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (11/5) :" (نهى أن يقام عن الطعام حتى يرفع) وذلك لأنه : قد يقوم أحد القاعدين ، وآخر لما يكتفِ من الطعام ، فيقوم لقيامه ، وإن قعد عد جشعًا كثير الأكل .

وهذا في مائدة عليها جماعة ، لا إذا كان وحده ". انتهى

والله أعلم .

شروح الأحاديث
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب