الحمد لله.
أولا:
التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته: مشروع ثابت في السنة، كأن تقول: اللهم إني أسألك بأنك أنت الأحد الصمد، أو أسئلك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق.
ومنه حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: " فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ، فَالْتَمَسْتُهُ، فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ: اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ رواه مسلم (486).
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ، أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ رواه مسلم (2202).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "مسألة الله بأسمائه وصفاته وكلماته : جائز مشروع ، كما جاءت به الأحاديث " انتهى من "الاستغاثة" (1 / 157).
ثانيا:
الضحك من صفاته تعالى الثابتة في السنة الصحيحة، كما روى البخاري (2826) ومسلم (1890) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلاَنِ الجَنَّةَ : يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى القَاتِلِ، فَيُسْتَشْهَدُ .
ومنها ما روى البخاري (806) ، ومسلم (182) في آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وفيه: فَيَقُولُ اللَّهُ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ ، مَا أَغْدَرَكَ ، أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ العُهُودَ وَالمِيثَاقَ، أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ، فَيَضْحَكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ .
وفي رواية: (قُولُ: وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، لاَ أَكُونَنَّ أَشْقَى خَلْقِكَ. فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو، حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ مِنْهُ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ، قَالَ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ).
وصفة الضحك صفة ثابتة لله تعالى، الله أعلم بكيفيتها.
قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله في "كتاب التوحيد" (2/ 563): "باب ذكر إثبات ضحك ربنا عز وجل ، بلا صفة تصف ضحكه ، جل ثناؤه، لا ولا يشبه ضحكه بضحك المخلوقين، وضحكهم كذلك ، بل نؤمن بأنه يضحك، كما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم ، ونسكت عن صفة ضحكه جل وعلا؛ إذ الله عز وجل استأثر بصفة ضحكه، لم يُطلعنا على ذلك، فنحن قائلون بما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، مصدقون بذلك بقلوبنا ، منصتون عما لم يبين لنا، مما استأثر الله بعلمه" انتهى.
ولا حرج لو توسل الإنسان بهذه الصفة، في مقام يلائم ذلك، فقال: يا من تضحك إلى عبادك، ارحمني وقربني، أو يقول: يا من تضحك إلى عبادك، لا تجعلني أشقى خلقك، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين، أو نحو ذلك مما يعلم السالك إلى ربه، العاقل لدعائه: ما يلائمه، ويليق به من الذكر والثناء والدعاء.
وليس في ذلك شيء من الشناعة، حتى ينفر منها هذا النافي، بل سبيلها سبيل أمثالها من أسماء الله وصفاته الثابتة له بالكتاب والسنة.
ثالثا:
أما الهرولة ، فالأظهر أنها بمعنى سرعة الإثابة؛ لأن ظاهر اللفظ في حق المخلوق ، لا يفهم منه المشي الحقيقي ، فكيف يفهم منه ذلك في حق الله؟
ونص الحديث القدسي: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً رواه البخاري (7405) ، ومسلم (2675).
فليس المراد مشي العبد على قدميه إلى الله ، ولا التقرب شبرا أو ذراعا بالمسافة. هذا هو المتبادر من السياق، وهذا يعني أن التقرب هنا من العبد بالطاعة، والتقرب من الله بالإثابة.
وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (291060) .
وأما التوسل بذلك، كأن يقول: يا من وعدت من أتاك يمشي أن تأتيه هرولة، أو يا من قلت وقولك الحق: من أتاني يمشي أتيته هرولة تقبل توبتي، فلا بأس به، على الوجه المذكور، من حكاية الخبر، ووعد الله لعباده الصالحين.
وكثير من الصفات الثابتة قد يستغرب الإنسان التوسل بها، لعدم شيوع الاستعمال فقط، لا لعدم صحة التوسل بها، أو لعدم كونها صفة، فلا شك في خطأ من أراد نفي الصفة بهذه الطريقة.
والصفات يُعلم ثبوتها من أدلة القرآن والسنة، ويؤمن بها بلا تكييف أو تمثيل، ولا تأويل أو تعطيل.
والله أعلم.