الحمد لله.
أولا :
النمروذ ، هُوَ كما ذكره أهل التاريخ والتفسير : نمروذ بن كنعان بن ريب بن نمروذ بن كوشى بن نوح ، وَهُوَ أول من ملك الأرض كلها وَهُوَ الَّذِي بنى الصرح ببابل ، وهو الذي حاج إبراهيم عليه السلام في ربه جل وعلا .
فعَنْ مُجَاهِدٍ في قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ البقرة:/258، قَالَ : " هُوَ نَمْرُوذُ بْنُ كَنْعَانَ " انتهى من "تفسير مجاهد" (ص: 243).
وعن قتادة قال : " كنا نحدث أنه ملك يقال له نمروذ ، وهو أول ملك تجبر في الأرض ، وهو صاحب الصرح ببابل " انتهى.
وعن الربيع قال : " ذكر لنا أن الذي حاج إبراهيم في ربه كان ملكا يقال له نمروذ ، وهو أول جبار تجبر في الأرض ، وهو صاحب الصرح ببابل " انتهى .
وينظر : "تفسير الطبري" (5/ 431).
ثانيا:
وأما قصة دخول البعوضة في منخره حتى ضُرب بالمطارق ، فقد أخرجها الطبري في "جامع البيان" (14/ 204)، وفي "تاريخ الرسل والملوك" (1/ 287) :
قال : " حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن زيد بن أسلم : " إن أول جبار كان في الأرض نمرود ، فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره ، فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق ، أرحم الناس به من جمع يديه فضرب رأسه بهما ، وكان جبارا أربع مائة سنة ، فعذبه الله أربع مائة سنة كملكه ، ثم أماته الله ، وهو الذي كان بنى صرحًا إلى السماء ، وهو الذي قال الله : ( فأتى الله بنيانهم من القواعد ، فخر عليهم السقف من فوقهم ) [النحل: 26]..." انتهى.
وهو خبر مرسل لا يصح ، وزيد بن أسلم كان في حفظه شيء ، وكان يرسل ويدلس ، مع كونه كان إمامًا صالحًا .
قال حماد بن زيد ، عن عبيد الله بن عمر : " لا أعلم به بأسا ، إلا أنه يفسر برأيه القرآن و يكثر منه " انتهى.
وقال ابن عيينة : " كان زيد بن أسلم رجلا صالحا ، و كان في حفظه شيء " انتهى .
وذكر ابن عبد البر في مقدمة " التمهيد " ما يدل على أنه كان يدلس.
وينظر : "تهذيب التهذيب" (3 /396).
وعليه: فهذا الخبر أقرب للإسرائيليات ، ولم يصح مثل هذا الخبر ولا نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد ضعفه الشيخ : محمد صبحي بن حسن حلاق - رحمه الله - في "صحيح وضعيف الطبري" (6/ 204).
ومع هذا فقد تناقل هذا الخبر عامة المفسرين والمؤرخين في كتبهم ، ولعل ذلك كان من باب العبرة بنهاية الظالمين والطغاة ، وأن الظالم مهما طغى وتكبر وتجبر ؛ فإن الله تعالى قادر على هلاكه بأضعف مخلوقاته .
ومثل هذه القصص ، ونحوها من الإسرائيليات: لا حرج في نقلها من باب العبرة والعظة؛ على ألا ينسب إلى رسول الله عليه وسلم إلا ما علم مخرجه، وثبت إسناده .
فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ رواه البخاري في صحيحه (3461) .
وينظر جواب السؤال رقم : (221139)، ورقم : (290591) .
والله أعلم.