الحمد لله.
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيءٌ يدل على أن الله عاقب حواء بسبب أكلها من الشجرة.
ولكن ثبت من قول ابن عباس رضي الله عنه أن الله عاقبها بالحيض بسبب أكلها من الشجرة وتزيين ذلك الفعل لآدم عليه السلام.
فروى الطبري في "تفسيره" (12/356) ، وابن المنذر في "الأوسط" (2/201) ، والحاكم في "المستدرك" (3437) ، والبيهقي في "الشعب" (5407)، والخرائطي في "اعتلال القلوب" (216)، وابن أبي الدنيا في "العقوبات" (118) كلهم من طريق سفيان بن حسينٍ، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما، قال:
" لَمَّا أَكَلَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ عَصَيْتَنِي؟) قَالَ: رَبِّ زَيَّنَتْ لِي حَوَّاءُ.
قَالَ: (فَإِنِّي أَعْقَبْتُهَا أَنْ لَا تَحْمِلَ إِلَّا كَرْهًا، وَلَا تَضَعَ إِلَّا كَرْهًا، وَدَميْتُهَا فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ).
فَلَمَّا سَمِعَتْ حَوَّاءُ ذَلِكَ رَنَّتْ، فَقَالَ لَهَا: (عَلَيْكِ الرَّنَّةُ وَعَلَى بَنَاتِكِ) " .
وهذا الأثر صححه الحاكم في المستدرك.
وقال الحافظ في "المطالب العالية" (2/515): "هذا موقوفٌ صحيح الإسناد".
وقال في "فتح الباري" (1/400) : "روى الحاكم وابن المنذر - بإسنادٍ صحيحٍ -، عن ابن عبَّاس: أنَّ ابتداء الحيض كان على حواء بعد أن أُهبطت من الجنة".
وهذا القول الثابت عن ابن عباس، مما يغلب على الظن أنه أخذه واستفاده من أهل الكتاب، ولذا فلا يظهر أن يكون حجةً ، مع ذلك الاحتمال الظاهر، أو غلبة الظن به ؛ وليس هو بقول المعصوم ، صلى الله عليه وسلم.
ولعله مما يقوي احتمال تلقي ابن عباس له عن أهل الكتاب، أنا نجد قريبا من معناه في التوراة، كما في سفر التكوين، الإصحاح (3/16).
ورواية ابن عباس لهذا الأثر لا يلزم منها قبوله وتصديقه، فهو رضي الله عنه يرويه بناء على الإذن النبوي في قوله صلى الله عليه وسلم: حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ ، رواه البخاري في صحيحه (3274).
وقوله صلى الله عليه وسلم: لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ، وَلا تُكَذِّبُوهُمْ رواه البخاري (4215).
والذي جاء في شرعنا أن الله تاب على آدم وحواء، وغفر لهم هذه الخطيئة: قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ الأعراف/23 .
قال السعدي رحمه الله: " أي: قد فعلنا الذنب، الذي نهيتنا عنه، وأضررنا أنفسنا باقتراف الذنب، وقد فعلنا سبب الخسار إن لم تغفر لنا، بمحو أثر الذنب وعقوبته، وترحمنا بقبول التوبة والمعافاة من أمثال هذه الخطايا، فغفر الله لهما ذلك " انتهى من "تفسير السعدي" (ص: 285)
وأما الحيض ، فشيء كتبه الله على بنات آدم عليه السلام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ رواه البخاري (294) ، ومسلم (1211).
وهو يفيد بظاهره: أنه مما قدر الله بحكمته وعلمه، وليس هو من جنس العقوبات، كتلك التي كتبها على بني إسرائيل من الإصر والتشديد عقوبة لهم على بغيهم وظلمهم.
قال ابن بطَّال: "هذا الحديث يدُلُّ على أنَّ الحيض مكتوب على بنات آدم فمَن بعدهنَّ من البنات، كما قال ﷺ، وهو من أصل خلقتهنَّ الذي فيه صلاحهنَّ" انتهى من "شرح صحيح البخاري". (1/411).
وينظر للفائدة السؤال رقم : (222132)، (183994).
والخلاصة :
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يدل على هذا، وثبت من قول ابن عباس رضي الله عنه ، وهو من الإسرائيليات التي لا نصدقها ولا نكذبها.
والله أعلم
تعليق