الحمد لله.
أولا:
روى الإمام مسلم في صحيحه (2698) عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : "كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ ، كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ ؟ فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ : كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ ؟ قَالَ : يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ ".
وفي الحديث : لم يقيد النبي صلى الله عليه وسلم التسبيح بصيغة معينة ؛ فدل ذلك على أن أي صيغة من صيغ التسبيح المأثورة مجزئة ، كقول : "سبحان الله" .
قال ابن علان في شرح الحديث المسؤول عنه : " (فسأله سائل) من جلسائه : كيف يكسب ألف حسنة ؟ قال: يسبح مائة تسبيحة ) أي : كأن يقول: سبحان الله مائة مرة " انتهى من "دليل الفالحين" (7/ 228).
ولو زاد فقال : " سبحان الله وبحمده "، فهو خير، وهي صيغة أخرى من صيغ التسبيح، لكنها مقرونة بتحميد الله جل جلاله.
وقد روى مسلم (2731) عَنْ أَبِي ذَرٍّ: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : مَا اصْطَفَى اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ : سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ رواه البخاري (6405) .
وفي رواية مسلم (2692) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ .
ثانيًا:
ليس كل ذكر يعتبر تسبيحًا ، فالتسبيح معناه تنزيه الله تعالى عن العيب ، والنقص ، والأوهام الفاسدة ، والظنون الكاذبة .
وقد روى الإمام الطبراني في كتابه "الدعاء" مجموعة من الآثار في تفسير هذه الكلمة ، جمعها في باب : " تفسير التسبيح " (ص/498-500) ، منها :
ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : " سبحان الله " : تنزيه الله عز وجل عن كل سوء .
وعن أبي عبيدة معمر بن المثنى : " سبحان الله " : تنزيه الله وتبرئته .
وقال الطبراني : حدثنا الفضل بن الحباب قال : سمعت ابن عائشة يقول : العرب إذا أنكرت الشيء وأعظمته قالت : " سبحان " ، فكأنه تنزيه الله عز وجل عن كل سوء لا ينبغي أن يوصف بغير صفته ، ونصبته على معنى تسبيحا لله . انتهى .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والأمر بتسبيحه يقتضي أيضا تنزيهه عن كل عيب وسوء ، وإثبات صفات الكمال له ، فإن التسبيح يقتضي التنزيه ، والتعظيم ، والتعظيم يستلزم إثبات المحامد التي يحمد عليها ، فيقتضي ذلك تنزيهه ، وتحميده ، وتكبيره ، وتوحيده " انتهى من "مجموع الفتاوى" (16/125).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (104047) .
والحاصل : أنه يجزئ التسبيح بأي صيغة من صيغ التسبيح المأثورة لتحصيل الثواب المذكور ، ولا يحل محل التسبيح أي ذكر آخر .
والله أعلم.