نحن نحفظ كتاب الله تعالى، ونتدارس علومه، ويحدث أن تسمع علينا الشيخة، وتخط بالقلم الرصاص على أخطائنا عند بعض الآيات في السور، سمعنا مؤخرا أنه لا يجوز أن نضع خطا تحت آي القرآن، وأن لا نكتب على صفحاته شيئا، حتى وإن كانت النية أن تعرف القارئة خطأها عندما تقرأ من المصحف وتصححه، مع إن هذا الفعل كان دأبنا ودأب من درسنا من الشيوخ الكثير. فما حكم هذا الفعل؟
الحمد لله.
لم يرد في هذه المسألة دليل ينص على المنع ولا على الإباحة، وإنما ورد عن السلف الصالح النهي عن كتابة شيء في المصحف غير القرآن كأسماء السور والأجزاء ونحو هذا، وعلة هذا خشية الالتباس بمرور الزمن، فيظنها الناس وحيا كالقرآن.
روى القاسم بن سلام في "فضائل القرآن" (ص 395) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ السِّرَاجِ، قَالَ: "قُلْتُ لِأَبِي رَزِينٍ: اكْتُبْ فِي مُصْحَفِي سُورَةَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: "لَا، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَنْشَأَ قَوْمٌ لَا يَعْرِفُونَهُ فَيَظُنُّوا أَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ".
ثم لما زال هذا المحذور وعلم المسلمون القرآن ، ولم يَعُدْ يُخشى أن يلتبس بغيره ، لم يرَ العلماء بأسا بكتابة البسملة واسم السور وعدد آيات السور ، كما هو موجود بالمصاحف اليوم .
ولا شك أن وضع خط تحت كلمة من القرآن لا توجد فيه هذه المفسدة التي خشيها السلف .
وبناء على انتفاء هذه المفسدة، وضع ثم في المصاحف المطبوعة خط فوق موضع السجدات من آي القرآن، وعلامات على بداية الأرباع، ونحو ذلك مما هو معروف. وهذا كله ليس من القرآن، كما هو ظاهر.
وعلى ذلك يقال:
إن الأصل صيانة المصحف الشريف من أن يكتب فيه غيره.
ثم صيانته من الامتهان والعبث، بل يجب أن يكرم ، ويحافظ عليه قدر الطاقة، نظيفا، مصونا في مكان لائق، مجلدا بما يليق به، وألا يعبث في أوراقه، بشيء من كتابة، أو نحوها، وألا تثنى أوراق المصحف لعلامة موضع، ولا لغير ذلك من الأغراض؛ فإن ثني ورقة المصحف امتهان ظاهر لها.
وأما في مقام الحفظ : فإن احتاج القارئ المتحفظ للقرآن أن يضع علامة على موضع خطئه، أو موضع الاشتباه عليه، لينتبه إليها عند تكراره، فلا حرج عليه في وضع ذلك إن شاء الله، لأجل الحاجة المعتبرة الداعية إليه.
ووضع الخط بالقلم الرصاص الذي تمكن إزالته فيما بعد ذلك، عند ضبط الموضع، وعدم الحاجة إلى العلامة، أحسن من وضعها بالقلم المضيء الثابت الذي لا تمكن إزالته؛ وإن كنا نرى أن وضعها بهذا القلم المضيء، يجوز إذا دعت إليه الحاجة، على نحو ما سبق أيضا .
على أن ذلك كله إنما يكون في المصحف الشخصي الذي يملكه صاحبه، ويتحفظ فيه، ويراجع فيه حفظه، لا في المصاحف الموقوفة وقفا عاما، في المساجد ونحوها، فإن هذه يمنع العبث بها، ولا يجوز التصرف فيها بوجه، ولا التخطيط ولا التعليم فيها.
وقد سئل الشيخ عبد المحسن الزامل، حفظه الله:
"هل يجوز التعليم بالقلم الرصاص في المصحف لمعرفة الأخطاء ومراعاتها؟
فأجاب:
" إن كانت هذه المصاحف مصاحف عامة في المساجد، والأماكن التي يُقرأ فيها القرآن: فهذا لا يجوز.
أما إذا كان شيئا مملوكا للإنسان، في بيته، ومكان عمله، ونحو ذلك: فالأولى ألا يُعْلِمَ شيئا، ولا يكتب شيئا على المصحف.
لكن إن كان يحتاج لذلك، مثل إنسان يتعلم الأحكام، أو يريد أن يحفظ القرآن، فيقول: أنا أحتاج أن أعلم على هذه الآية علامة يسيرة، مجرد علامة، ليست كتابة، فهذا لا يؤثر، ولا يضر، وعليه بعد ذلك أن يمسحه وأن يزيله، حتى يبقى المصحف مجردا.... " انتهى، وينظر الفتوى بتمامها .
وعلى ذلك؛ فإذا انتهت مرحلة الحفظ، واستغنى الحافظ عن مصحفه الذي به هذه الخطوط، فينبغي أن يزيل هذه الخطوط، إن كان يبقى بعد هذه الإزالة نظيفا، مصونا.
فإن كانت الإزالة تفسد أوراقه، أو يظهر بحال غير ملائمة ؛ فالأحسن أن يصونه في جانب، بعيدا عن العبث والامتهان، ويتخذ له مصحفا جديدا لتلاوته، ومراجعته.
ولو أحرق مصحفه القديم، في مكان طاهر، إذا بليت أوراقه، أو رثت من طول الاستعمال، فلا بأس به أيضا، إن شاء الله.
وينظر جواب السؤال رقم:(105326)، ورقم:(126205).
والله أعلم.