تفسير قوله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا)

10-11-2022

السؤال 335388

قال الله تعالى‏:‏ (‏‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا‏)، هل هذه الآية كريمة معناها أن يجعل له مخرجا ويرزقه في الدنيا فقط أم في الآخرة أيضا، وإن كان في الآخرة فما هو رزق الذي يكون وما هو المخرج في القيامة؟

ملخص الجواب:

نزل قوله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) نزلت هذه الآيات في سياق الآيات التي تحدثت عن الطلاق، ومعناها في سياقها "ومن لا يتعدى في الطلاق السُّنَّة، إلى طلاق الثلاث وغير ذلك؛ يجعل الله له مخرجا إن ندم، بالرجعة المباحة، ويرزقْه ما يطعم أهله، ويوسع عليه. ومن لا يتق الله فربما طلّق وبَتَّ، وندم؛ فلم يكن له مخرج، وزال عليه رزق زوجته." والآية أيضًا على عموم لفظها، وليست خاصة بقضية الطلاق، وتقوى الله فيه فقط؛ بل الأمر فيها عام؛ فكل من اتقى الله جل جلاله في أمر، جعل له فيه المخرج، وجعل له من أمره يسرا.

الجواب

الحمد لله.

تفسير (ومن يتق الله يجعل له مخرجا)

قال سبحانه وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا الطلاق/2-3.

هذه الآية نزلت في سياق الآيات التي تحدثت عن الطلاق، ومعناها في سياقها "ومن لا يتعدى في الطلاق السُّنَّة، إلى طلاق الثلاث وغير ذلك؛ يجعل الله له مخرجا إن ندم، بالرجعة المباحة، ويرزقْه ما يطعم أهله، ويوسع عليه. ومن لا يتق الله فربما طلّق وبَتَّ، وندم؛ فلم يكن له مخرج، وزال عليه رزق زوجته" انتهى من"المحرر الوجيز"(5/324).

وعلى ذلك؛ فالمعنى: ومن يتق الله، ويعمل بالطلاق كما أمر الله، فإن الله جاعل له مخرجًا، بأن يراجع امرأته، إن شاء. ومن لا يتق الله فإن أمره يضيق عليه.

قال الطبري: "من يَخفِ الله، فيعمل بما أمره به، ويجتنب ما نهاه عنه، يجعل له من أمره مخرجا، بأن يُعرفه بأن ما قضى فلا بد من أن يكون، وذلك أن المطلق إذا طلق، كما ندبه الله إليه للعدة، ولم يراجعها في عدتها حتى انقضت، ثم تتبعها نفسه؛ جعل الله له مخرجا فيما تتبعها نفسه، بأن جعل له السبيل إلى خطبتها ونكاحها، ولو طلقها ثلاثا لم يكن له إلى ذلك سبيل" انتهى من "جامع البيان" (23/42).

هل (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) عامة أم خاصة بقضية محددة؟

والآية أيضًا على عموم لفظها، وليست خاصة بقضية الطلاق، وتقوى الله فيه فقط؛ بل الأمر فيها عام؛ فكل من اتقى الله جل جلاله في أمر، جعل له فيه المخرج، وجعل له من أمره يسرا.

وقد تنوعت عبارات السلف في الدلالة على هذا العموم كما نقل الثعلبي (26/561):

قال ابن الجوزي: "والصحيح أن هذا عام، فإن الله تعالى يجعل للتقي مخرجًا من كل ما يضيق عليه. ومن لا يتقي، يقع في كل شدة"، انتهى من"زاد المسير"(4/298).

قال السعدي: "فإن من يؤمن بالله واليوم الآخر، يوجب له ذلك أن يتعظ بمواعظ الله، وأن يقدم لآخرته من الأعمال الصالحة، ما تمكن منها. بخلاف من ترحل الإيمان عن قلبه، فإنه لا يبالي بما أقدم عليه من الشر، ولا يعظم مواعظ الله، لعدم الموجب لذلك، ولما كان الطلاق قد يوقع في الضيق والكرب والغم، أمر تعالى بتقواه، وأن من اتقاه في الطلاق وغيره، فإن الله يجعل له فرجًا ومخرجًا.

فإذا أراد العبد الطلاق، ففعله على الوجه الشرعي، بأن أوقعه طلقة واحدة، في غير حيض ولا طهر قد وطئ فيه، فإنه لا يضيق عليه الأمر، بل جعل الله له فرجًا وسعة يتمكن بها من مراجعة النكاح إذا ندم على الطلاق.

والآية، وإن كانت في سياق الطلاق والرجعة، فإن العبرة بعموم اللفظ، فكل من اتقى الله تعالى، ولازم مرضاة الله في جميع أحواله، فإن الله يثيبه في الدنيا والآخرة.

ومن جملة ثوابه أن يجعل له فرجًا ومخرجًا من كل شدة ومشقة، وكما أن من اتقى الله، جعل له فرجًا ومخرجًا، فمن لم يتق الله، وقع في الشدائد والآصار والأغلال، التي لا يقدر على التخلص منها والخروج من تبعتها.

واعتبِر ذلك بالطلاق، فإن العبد إذا لم يتق الله فيه، بل أوقعه على الوجه المحرم، كالثلاث ونحوها، فإنه لا بد أن يندم ندامة لا يتمكن من استدراكها والخروج منها.

وقوله وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ أي: يسوق الله الرزق للمتقي، من وجه لا يحتسبه ولا يشعر به"، انتهى من"التفسير"(869).

وانظر في التقوى وفضائلها، الأجوبة الآتية: : (228697)، (228612).

والله أعلم.

تفسير القرآن
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب