كيف أصبح الذين عبدوا عيسى هم المُسيطرون على النصارى اليوم، وقد وعد الله أتباعه بالغلبة؟

13-03-2021

السؤال 345930

يقول القرآن الكريم: إنّ بني إسرائيل الذين آمنوا بعيسى كانوا مؤيدين من الله تعالى، وجعل لهم الغَلَبَة على الكفار، لكن كيف يمكن أن يكون هذا صحيحًا عندما ضاعت معتقداتهم، وفسد الإنجيل، وأصبح الذين عبدوا عيسى كإله هم المُسيطرون على النصارى اليوم؟

الجواب

الحمد لله.

قول الله تعالى:  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ  الصف/14.

هو كقوله تعالى أيضا:  إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ   آل عمران/55.

قال الطبري رحمه الله تعالى:

"يعني بذلك جل ثناؤه: وجاعل الذين اتبعوك على منهاجك وملّتك، من الإسلام وفطرته، فوق الذين جحدوا نبوّتك، وخالفوا بسبيلهم جميع أهل الملل، فكذّبوا بما جئت به، وصدّوا عن الإقرار به، فمُصيِّرهم فوقهم؛ ظاهرين عليهم." انتهى من" تفسير الطبري" (5 / 454).

والظهور والفوقية: "هي أعم من أن تكون بالسيف، أو بالحجة." انتهى من "فتح القدير" (ص 221).

وكل هذا قد حصل.

فإن أتباع عيسى عليه السلام مازالوا ظاهرين، فلم يستطع أعداء عيسى عليه السلام من اليهود أن يطفؤوا دعوته، بل استمرت طوائف من أتباعه في نشر دعوته، منكرين على من اعتقد أنه إله، وإن وقعوا في بدع أخرى غير مكفرة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"وقوله: (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) قيل: هم اليهود، وقيل النصارى. والآية تعم الطائفتين. وقوله: (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) قيل: من قتله، وقيل: منه: أي في شك منه هل صلب أم لا. كما اختلفوا فيه، فقالت اليهود هو ساحر، وقالت النصارى: إنه إله، فاليهود والنصارى اختلفوا هل صلب أم لا، وهم في شك من ذلك: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ)؛ فإذا كان هذا في الصلب؛ فكيف في الذي جاء بعد الرفع، وقال إنه هو المسيح؟

فإن قيل: إذا كان الحواريون الذين أدركوه قد حصل هذا في إيمانهم؛ فأين المؤمنون به، الذين قال فيهم: (وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا)، وقوله: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ)؟

قيل: ظنُّ من ظن منهم أنه صلب، لا يقدح في إيمانه، إذا كان لم يحرف ما جاء به المسيح، بل هو مقر بأنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه؛ فاعتقاده بعد هذا أنه صلب، لا يقدح في إيمانه؛ فإن هذا اعتقاد موته على وجه معين، وغاية الصلب أن يكون قتلا له، وقتل النبي لا يقدح في نبوته...

وكذلك اعتقاد من اعتقد منهم أنه جاء بعد الرفع، وكلمهم: هو مثل اعتقاد كثير من مشايخ المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم في اليقظة، فإنهم لا يكفرون بذلك..." انتهى من "مجموع الفتاوى" (13 / 108 - 109).

ومهما لحق الإنجيل من تحريف فقد بقي - إلى أن بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم - مشتملا على جملة من الحق، يهتدي بها من طلب الهداية، كمثل ما أشار إليه قول الله تعالى:  الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  الأعراف/157.

وينظر للفائدة جواب السؤال: 

هل كانت توجد نسخ من التوراة غير محرفة في زمن النبي ﷺ؟

ثم إن هذه الطائفة المؤمنة بعيسى عليه السلام وأنه عبد الله ورسوله، قد نصرها الله بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبأمته المسلمة؛ لأنهم أولى بعيسى عليه السلام من غيرهم.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى، الْأَنْبِيَاءُ أَبْنَاءُ عَلَّاتٍ، وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيسَى نَبِيٌّ  رواه البخاري (3443)، ومسلم (2365) واللفظ له.

وهذه الغلبة والظهور بالحجة دوما، وبالقوة أزمانا: مستمر إلى قيام الساعة حيث سينزل عيسى عليه السلام في هذه الأمة.

عَنِ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ  رواه البخاري (2222)، ومسلم (155).

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

"وقوله: (فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ) أي: لما بلغ عيسى ابن مريم عليه السلام رسالة ربه إلى قومه، ووازره من وازره من الحواريين، اهتدت طائفة من بني إسرائيل بما جاءهم به، وضلت طائفة فخرجت عما جاءهم به، وجحدوا نبوته، ورموه وأمه بالعظائم، وهم اليهود -عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة-وغلت فيه طائفة ممن اتبعه، حتى رفعوه فوق ما أعطاه الله من النبوة، وافترقوا فرقا وشيعا، فمن قائل منهم: إنه ابن الله. وقائل: إنه ثالث ثلاثة: الأب، والابن، وروح القدس. ومن قائل: إنه الله. وكل هذه الأقوال مفصلة في سورة النساء.

وقوله: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ) أي: نصرناهم على من عاداهم من فرق النصارى، (فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) أي: عليهم، وذلك ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله...

فأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا يزالون ظاهرين على الحق، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، وحتى يقاتل آخرهم الدجال مع المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، كما وردت بذلك الأحاديث الصحاح." انتهى من"تفسير ابن كثير" (8 / 113 - 114).

وينظر للفائدة جواب السؤال: 

تفسير قوله تعالى: (وجاعل الذن اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة)

والله أعلم.

تفسير القرآن
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب