كنت أعمل في أحد شركات الأدوية، وكان عملي يعتمد بشكل كبير على إعطاء المال والهدايا للأطباء لكتابة المنتج، وكنت أتقاضى راتبا من الشركة شهريا، ثم منَّ الله تعالى علي بالتوبة من هذا العمل. السؤال: ماحكم المال المدخر من هذا العمل؟ وهل أستطيع استعماله في الزواج بعد أن منَّ الله تعالى علي بالتوبة من هذا العمل؟ وكيفية التكفير عن ما فات؟
الحمد لله.
أولا:
لا يجوز إعطاء مال أو هدايا للأطباء لصرف دواء معين، وهذا من الرشوة وهدايا العمال المحرمة، وينظر: جواب السؤال رقم: (266377).
ثانيا:
الواجب أن تتوب إلى الله تعالى مما كنت تفعله، ومن تمام توبتك: ألا تعود إليه، أو إلى مثلة مرة أخرى.
وأما الراتب التي كنت تتقاضاه فهو راتب مختلط؛ لكونه من عمل مباح ومحرم، والمحرم فيه تفصيل:
1- فما أخذته قبل العلم بالتحريم، فلا حرج عليك فيه، سواء أنفقته، أو كان ما زال بيدك؛ لقوله تعالى في مال الربا: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ) البقرة/ آية 275.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما الذي لا ريب فيه عندنا فهو: ما قبضه بتأويل، أو جهل، فهنا له ما سلف، بلا ريب، كما دل عليه الكتاب والسنة والاعتبار" انتهى من "تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء" (2/ 592).
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: "إذا كان لا يعلم أن هذا حرام، فله كل ما أخذ، وليس عليه شيء، أو أنه اغتر بفتوى عالم أنه ليس بحرام، فلا يخرج شيئاً، وقد قال الله تعالى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ)" انتهى من "اللقاء الشهري" (67/ 19).
وقال رحمه الله: "من فوائد الآية: أن ما أخذه الإنسان من الربا قبل العلم بالتحريم: فهو حلال له، بشرط أن يتوب وينتهي " انتهى من " تفسير سورة البقرة " (3/ 377).
والمال الذي في مقابل العمل المحرم، ليس أعظم من مال الربا.
2- ما أخذته بعد العلم بالتحريم، فما أنفقته منه، فلا شيء عليك فيه، وما كان باقيا في يدك فإنه يلزم التخلص منه، بإعطائه الفقراء والمساكين وفي المصالح العامة.
وفي هذه الحالة: يلزمك النظر في نسبة عملك المحرم إلى مجموع عملك، فإن كان الثلث مثلا، فأخرج ثلث ما تدخره، مع التوبة.
ثالثا:
ما قلناه في التخلص من المال الحرام، يستثنى منه ما لو كنت في حاجة للمال أو لبعضه، للزواج أو لغيره، ولا تجد غيره من الحلال؛ فإنه يجوز أن تأخذ منه قدر حاجتك.
قال النووي رحمه الله نقلا عن الغزالي في شأن التوبة من المال الحرام: "وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرا، لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أولى من يتصدق عليه، وله هو أن يأخذ منه قدر حاجته؛ لأنه أيضا فقير. وهذا الذى قاله الغزالي في هذا الفرع: ذكره آخرون من الأصحاب، وهو كما قالوه" انتهى من "المجموع" (9/ 351).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإن تابت هذه البغي وهذا الخَمَّار، وكانوا فقراء: جاز أن يصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم، فإن كان يقدر يَتَّجِر، أو يعمل صنعة، كالنسج والغزل، أعطي ما يكون له رأس مال، وإن اقترضوا منه شيئا ليكتسبوا به، ويردوا عوض القرض: كان أحسن" انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/ 308).
وقال ابن القيم رحمه الله: " فطريق التخلص منه وتمام التوبة: بالصدقة به، فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته، ويتصدق بالباقي.
فهذا حكم كل كسب خبيث لخبث عوضه، عيناً كان أو منفعة" انتهى من " زاد المعاد " (5/ 691).
وينظر للفائدة جواب سؤال: (أحكام التخلص من المال الحرام بعد التوبة).
والله أعلم.