ما حكم جماع الرجل زوجته في العراء، مع تجردهما الكامل من الملابس، ليصبحا عرايا تماماً، أو حتى بدون تعريهما إذا ضمنا أن لا يراهما أحد من الناس، مثل أن يكونا في رحلة في الطبيعة على قمة جبل، أو شاطئ بحر خالٍ، أو صحراء فارغة من الناس، أو حتى في حديقة بيتهما إن كان في منطقة نائية، وبعيد عن أعين الناس والجيران؟
الحمد لله.
سبق في جواب السؤال رقم: (45514) جواز تجرد الزوجين من الثياب حال الجماع لعدم وجود ما يحرمه.
لكن الجماع في البرية مع التعري أو بدونه هو تصرف منهي عنه؛ لأنه يحتوي على مفاسد عدة:
أولا:
مثل هذه التصرفات هي أمور اشتهر بها أهل الكفر المتجردون من خلق وفضيلة الحياء والغيرة والمروءة، ثم تلقفها عنهم جمع ممن ينتسب إلى الإسلام في هذا الزمن الذي انتشرت فيه الشهوات والشبهات، والتشبه بأهل الكفر والفسوق منهي عنه.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ رواه أبو داود (4031)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (5 / 109).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"وهذا إسناد جيد... وهذا الحديث أقل أحواله: أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)...
فقد يحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفرا، أو معصية، أو شعارا لها كان حكمه كذلك.
وبكل حال: يقتضي تحريم التشبه؛ بعلة كونه تشبها... " انتهى من"اقتضاء الصراط المستقيم" (1 / 240 – 242).
ثانيا:
قد يجر هذا التساهل في التستر أثناء الجماع إلى حد انعدام الغيرة في الزوج وعدم مبالاته بعرض زوجته، فهذه الشهوات بعضها يجر إلى بعض، والشيطان يستدرج الإنسان خطوة فخطوة.
قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ النور/21.
ومن أعمال الشيطان أنه يجتهد في إزالة الستر عن بني آدم؛ فعلى المسلم أن يحذر من هذه المسالك، قال الله تعالى:
يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ الأعراف/26 – 27.
وإذا كان الشرع يحث المرأة أن تستتر في بيتها قدر الاستطاعة لأداء الصلاة، فكيف يخرج بها زوجها ليزيل لباسها في البر ويجامعها؟!
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعود، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا رواه أبو داود (570).
قال بدر الدين العيني رحمه الله تعالى:
"وقال ابن الأثير: " المخدع ": هو البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير ".
وإنما كانت صلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ومن صلاتها في حجرتها؛ لأنها أستر لها، وأمنع لها من نظر الناس، ومَبْني حالهن على الستر ما أمكن " انتهى من"شرح سنن أبي داود" (3 / 56).
فلا شك أن هذا التصرف مخالف لمقاصد الشرع.
ثالثا:
هذه التصرفات تؤدي إلى إضرار الزوج بنفسه وبأهله، ويلقي بهم إلى التهلكة، فهذا الزمن سهل فيه تنقل الناس وكثر تجوالهم، ولا يمكن أن يجزم الشخص حتى في البرية بأنه وحيد، ومع كل هذا ففي يد كل إنسان هاتف جوال يحتوي على كاميرا تصوير، فكم من فضائح يتناقلها الناس بسبب التساهل في ستر العورات وبسبب هذه الجوالات.
فالحاصل؛ أن هذا التصرف ليس من أخلاق أهل الإيمان وأهل الحياء لما فيه من مفاسد، وخلوه من أي مصلحة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"وهذا أصل مستمر في أصول الشريعة كما قد بسطناه في قاعدة سد الذرائع وغيرها، وبيّنا أن كل فعل أفضى إلى المحرم كثيرا كان سببا للشر والفساد، فإذا لم يكن فيه مصلحة راجحة شرعية، وكانت مفسدته راجحة، نهي عنه، بل كل سبب يفضي إلى الفساد نهي عنه إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة، فكيف بما كثر إفضاؤه إلى الفساد ." انتهى من "الفتاوى الكبرى" (4 / 465).
وينظر جواب السؤال رقم (72220) و (5560).
والله أعلم.