أعمل بالترجمة أحيانا، وكثيرا ما أتعرض لكلمات أتحرج من كتابتها مثل God/creator، وهي صفات خاصة لله كالخلق، والألوهية، والتي تطلق على غير الله، تعالى الله عن ذاك، فإن حرفت الترجمة ضاع المعنى، وإن ترجمتها ترجمة صحيحة وجدت في نفسي حرجا. وسؤالي هو: هل يجوز إطلاق صفات الله الخاصة على غيره على سبيل الإخبار لا التصديق، كما نفعل في بعض الأبحاث التاريخية عن الأوثان التي عبدتها الحضارات السابقة؟ أم يكون عليّ في ذلك إثم؟ علما بأنه يمكن تفادي ألفاظ الألوهية في بعض الترجمات غير الهامة، كترجمة مسلسل فيه ذكر إله غير الله، فنحرف الترجمة، وأحيانا لا يمكن تلافي لفظ الألوهية في بعض الترجمات، كترجمة الأبحاث التاريخية وإلا سيختل المعنى. فهل في ذلك إثم إن كان إضطرارا؟ وهل في ذلك إثم إن كتبته مع القدرة على تلافي ألفاظ الألوهية الخاصة مع عدم التصديق وعدم الموافقة على ذلك؟!
الحمد لله.
أولا:
الواجب على من يعمل في مجال الترجمة أن ينظر إلى المحتوى الذي يترجمه ، فإن كان مفيدا نافعا: عمل فيه ، وإن كان ضارا محرما: وجب عليه الامتناع من العمل فيه ، كالروايات التي تدعو إلى الفساد الأخلاقي ، أو التي تلقي الشبهات في نفوس الناس ، أو التي تنشر الجريمة وتسوغها ... ونحو ذلك.
وإن كان المحتوى مباحا – لا نافعا ولا ضارا – فالعمل في ترجمته مباح ، على أنه ينبغي للمسلم ألا يضيع وقته فيما لا يفيد.
وينظر جواب السؤال رقم: (227080)، (142550) .
ثانيا:
وأما نقل الكفر عن أصحابه : فذلك بمجرده ليس كفرا، فقد ذكر العلماء أن "ناقل الكفر ليس بكافر".
قال القاضي عياض رحمه الله: " وقد حكى الله تعالى مقالات المفترين عليه وعلى رسله في كتابه ، على وجه الإنكار لقولهم ، والتحذير من كفرهم والوعيد عليه ، والرد عليهم بما تلاه الله علينا في محكم كتابه، وكذلك وقع من أمثاله في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة على الوجوه المتقدمة، وأجمع السلف والخلف من أئمة الهدى على حكايات مقالات الكفرة والملحدين في كتبهم ومجالسهم ، ليبينوها للناس ، وينقضوا شبهها عليهم" انتهى من "الشفا مع حاشية الشمني" (2/245).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " وأما: (ناقل الكفر ليس بكافر): فليس بمرفوع [يعني: ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم].
وفي كلام العلماء ما يدل على أن المسألة ليست على هذا الإطلاق؛ بل فيها تفصيل ؛ يتلخص في أن حاكي الكفر عن الغير يختلف حكمه باختلاف القرائن؛ فإن كانت الحكاية لغرض شرعي، فالأمر كذلك؛ لإجماع أئمة الهدي على حكايات مقالات الكفرة والملحدين في كتبهم التي صنفوها، ومجالسهم، ليبينوا ما فيها من فساد، ليتجنب، وليبطلوا شبهها عليهم.
ومن أدلتهم على ذلك: أن الله تعالى قد حكي مقالات المفترين عليه وعلى رسله في كتابه ، على وجه الإنكار لقولهم ، والتحذير من كفرهم ، والوعيد عليه بالعقاب في الدارين ، والرد عليهم بما بينه في حكم كتابه، وكذلك وقع في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة.
وان كانت الحكاية على وجه الاستحسان لمقالة المحكي عنه ، فلا شك في كفر الحاكي، واستحقاقه ما يستحق المحكي عنه، وقد عقد القاضي عياض في " الشفاء " باباً أطال فيه في بيان هذه المسالة، فليراجعه السائل فإن فيه ما يقنعه" انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (12/196).
وينظر السؤال رقم: (165869).
وعلى هذا، فإنه ينبغي النظر في حال المترجَم لهم تلك الكتب والقصص، فإن كان واضحا لديهم بطلان ما فيها من الشرك، ولم يخش عليهم تهوين الكفر في أنفسهم: فالظاهر أنه يرخىص في ترجمة مثل ذلك.
أما إن كان غير واضح ، أو خُشي أن يفتن به بعضهم، أو أن يهون الكفر في نفوسهم، وتنطبع النفوس بإلفه، وعدم إنكاره؛ فلا تجوز ترجمته إلا إذا كان لباحث سيتولى الرد عليه، وبيان ما فيه من باطل، أو كان المترجم سيعلق عليه ويبين بطلانه.
وقد سئل الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله:
"يترجمُ الكتبَ الغربيَّةَ إلى اللُّغةِ العربيَّةِ، ويقومُ بترجمتِها بما فيها مِن ألفاظٍ كفريَّةٍ وإلحادٍ، فإذا قيلَ لهُ في ذلكَ، قالَ: ناقلُ الكفرِ ليسَ بكافرٍ، فهل يلحقُهُ إثمٌ بذلكَ؟
فأجاب : نعم ، يلحقُهُ إثمٌ، لأنَّ ترجمتَه لهذه الكتبِ وما فيها مِن شبهاتٍ، وما فيها مِن مذاهبِ إلحادٍ: هذا يجعلها في متناولِ شبابِ المسلمين، مِن الرِّجال والنِّساء، يقرِّبُها لهم، كانت تحولُ بينَهم وبينَها اللُّغةُ، وهو يقرِّبُها لهم ويجعلُها في متناولهم ...
ولسْنا نقولُ: إنَّه كافرٌ، ناقلُ الكفرِ ليسَ بكافرٍ، لكنَّ هذا النَّقلَ الَّذي فعلَه هذا يكونُ به عاصيًا، يكونُ عاصيًا ؛ لأنَّه -والعياذُ باللهِ- بهذا الفعلِ يسَّرَ هذا الضَّلالَ وهذا الكفرَ لِمَن قد يقعُ في شبكاتِه وشبهاتِه" انتهى من موقع الشيخ.
والذي يظهر:
أن الغالب الأعم على أحوال الناس في هذا الزمان أنهم إن لم يفتتنوا بمثل ذلك، أو يقع في نفوسهم شبهة، أو اضطراب إيمان، ولو بوجه ما ؛ فليس أقل من أن يهون الكفر في نفوسهم، وتعتاده آذانهم، وتألفه أعينهم، حتى يزول إنكاره، واستبشاعه من قلوبهم، وانظر حولك، تر مصداق ذلك في أحول الناس!!
وبكل حال؛ فلا يخفى أن السلامة للدين، والاستبراء له: أن يدع ذلك كله، ويحفظ قلبه من أن يلين لنقل هذا الكلام، وإشاعته بين الناس، وألا يكون عونا على تهوين الكفر في قلوب العباد، وإلف نفوسهم له، فتضعف النفرة منه، والإنكار عليه.
وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول:
"ما أظن أن الله يغفل عن المأمون،ولا بد أن يقابله على ما اعتمده مع هذه الأمة من إدخال هذه العلوم الفلسفية" انتهى، نقله عنه الصفدي في "الغيث المسجم، شرح لامية العجم"(1/79).
والله أعلم.