نحن عائلة مؤلفة من خمسة أشخاص، فهل يجوز أن نخرج صاعا من أرز، وصاعا من برغل، وصاعا من عدس، وصاعا من حمص، وصاعا من لحم الدجاج، بحيث تكون الصاعات مختلفة كل صاع من نوع مستقل، كزكاة فطر؟
الحمد لله.
أولا:
الواجب في زكاة الفطر: صاع من طعام؛ لحديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ) رواه البخاري (1503)، ومسلم (984).
وروى البخاري (1510) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالتَّمْرُ".
ويجوز إخراجها أرزا وعدسا وحمصا ونحوه مما يقتاته الناس.
قال ابن القيم رحمه الله في "أعلام الموقعين" (3/ 12): " وهذه كانت غالب أقواتهم بالمدينة، فأما أهل بلد أو محلة قوتهم غير ذلك؛ فإنما عليهم صاع من قوتهم، كمن قوتهم الذرة أو الأرز أو التين أو غير ذلك من الحبوب.
فإن كان قوتهم من غير الحبوب، كاللبن واللحم والسمك، أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنا ما كان.
هذا قول جمهور العلماء، وهو الصواب الذي لا يقال بغيره؛ إذ المقصود سد حاجة المساكين يوم العيد، ومواساتهم من جنس ما يقتاته أهل بلدهم.
وعلى هذا؛ فيجزئ إخراج الدقيق وإن لم يصح فيه الحديث" انتهى.
وأما إخراجها من لحم الدجاج، فإن كان هذا قوتا أساسيا في البلد، كأهل القطب الشمالي، جاز.
قال في "كشاف القناع" (6/ 257): " (والقوت: الخبز وحبُّه) من بر وشعير وذرة ودخن ونحوه، (ودقيقه وسويقه، والفاكهة اليابسة) كتمر وزبيب ومشمش وتين وتوت، (واللحم واللبن ونحوه، لا عنب وحصرم وخل ونحوه) كملح ورطب" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/ 182): " ولكن إذا كان قوت الناس ليس حباً ولا ثمراً، بل لحماً مثلاً، مثل أولئك الذين يقطنون القطب الشمالي، فإن قوتهم وطعامهم في الغالب هو اللحم، فالصحيح أنه يجزئ إخراجه " انتهى بتصرف.
وينظر: جواب السؤال رقم:(إخراج اللحم في زكاة الفطر )، ورقم:(مقدار زكاة الفطر إذا أخرجت لحما ).
واللحم والدجاج، وإن كانا يؤكلان في بلادنا بكثرة فلا يعد ذلك قوتا، بل القوت الغالب عندنا القمح والأرز، ولهذا فلا نرى إخراج الفطرة من لحم الدجاج.
وينظر أيضا للفائدة: جواب السؤال رقم:(275376).
ثانيا:
لا حرج أن يخرج كل فرد من العائلة صاعا من الطعام مختلفا عن صاع غيره، كما لا حرج أن يخرج رب العائلة آصعا مختلفة عن أفراد عائلته؛ لأن الأصل الجواز والصحة؛ وقد أخرج صاعا من طعام عن كل فرد.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(109779).
ثم يجوز إعطاء هذه الآصع لمسكين واحد أو لجماعة.
قال في "المغني" (3/ 99): " ويجوز أن يعطى الواحد ما يلزم الجماعة، والجماعة ما يلزم الواحد.
إعطاء الجماعة ، ما يلزم الواحد: لا نعلم فيه خلافا؛ لأنه صرف صدقته إلى مستحقها، فبرئ منها كما لو دفعها إلى واحد.
وأما إعطاء الواحد صدقة الجماعة، فإن الشافعي ومن وافقه، أوجبوا تفرقة الصدقة على ستة أصناف ، ودفع حصة كل صنف إلى ثلاثة منهم ، على ما ذكرناه قبل هذا. وقد ذكرنا الدليل عليه.
ولأنها صدقة لغير مُعَيَّن، فجاز صرفها إلى واحد ، كالتطوع. وبهذا قال مالك، وأبو ثور، وابن المنذر، وأصحاب الرأي" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " زكاة الفطر، فهي مقدرة بصاع على كل شخص.
لكن لم يقدر فيها من يدفع له، ولهذا يجوز أن توزع الفطرة على أكثر من مسكين، ويجوز أن تعطى عدة فطرات لمسكين واحد" انتهى من "الشرح الممتع "(15/ 161).
وأما ما هو الأفضل في ذلك، هل تعطى لفقير واحد، أو لأكثر من شخص، فهذا ينظر فيه بحسب الحال.
قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله:
" الأفضل ما هو أنفع، فإذا كان الفقر عامًّا للناس شائعاً بينهم، فلا شك أن توزيعها على أكثر من فقير أفضل.
أما إذا كانت الحاجة في الناس ليست شاملة، فإن إعطاءها فقيراً واحداً، أو فقيرين لسد حاجاتهم: أفضل، لأن العشرة ريالات في وقتنا الحاضر ليست بشيء، ولكن في وقت سابق لها أثرها ولها قيمتها، فينظر للإنسان ما هو أصلح." انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (18/354).
والله أعلم.