الحمد لله.
أولا:
الخمر إنما حرمت بسبب إسكارها، فيحرم على المسلم تناولها أو إعانة من يتناولها.
وأما جمع علب الخمر الفارغة لإعادة تصنيعها لتستعمل في المباحات ، فهو جائز ، بل يجوز استعمال علب الخمر نفسها في المباحات .
وقد بوّب البخاري رحمه الله تعالى في "الصحيح": " بَابٌ: هَلْ تُكْسَرُ الدِّنَانُ الَّتِي فِيهَا الخَمْرُ، أَوْ تُخَرَّقُ الزِّقَاقُ؟ فَإِنْ كَسَرَ صَنَمًا، أَوْ صَلِيبًا، أَوْ طُنْبُورًا، أَوْ مَا لاَ يُنْتَفَعُ بِخَشَبِهِ".
ثم روى (2477) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نِيرَانًا تُوقَدُ يَوْمَ خَيْبَرَ، قَالَ: (عَلامَ مَا تُوقَدُ هَذِهِ النِّيرَانُ؟) قَال: عَلَى الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ، قَالَ: (اكْسِرُوهَا، وَهَرِيقُوهَا) قَالُوا: أَلاَ نُهَرِيقُهَا، وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: (اغْسِلُوا).
قال ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قوله ( باب هل تكسر الدنان التي فيها خمر، أو تخرق الزقاق ؟).
لم يبين الحكم؛ لأن المعتمد فيه التفصيل: فإن كانت الأوعية بحيث يراق ما فيها وإذا غسلت طهرت وانتفع بها لم يجز إتلافها وإلا جاز… فالانتفاع بها بعد تطهيرها ممكن كما دل عليه حديث سلمة أول أحاديث الباب " انتهى من "فتح الباري" (5/122).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (318306).
وإنما المحرم في جمع هذه العلب، وإعادة تصنيعها: أن يكون ذلك بغرض استعمالها عبواتٍ للخمر مرة أخرى؛ وهذا لا يكاد يظهر إلا إذا بيعت لمصنع للخمور، وكان المصنع يتولى تصنيع عبواته، أو كانت توجه لمصانع خاصة بعبوات الخمور.
ثانيا:
وأما نفس العمل في تنظيف الشقق والأماكن المذكورة : فالذي يظهر هو التفصيل بين أن تكون هذه الشقق، أو الوحدات السكنية: أماكن سكنية، كالذي يعهد الناس من بيوتهم، ثم وجد فيها شيء من ذلك: فهنا تظهر الرخصة في العمل في تنظيف هذه البيوت؛ ما دام أنه لم يستأجر لمنفعة محرمة، على ما يأتي من التفصيل في إجارة المسلم نفسه من الكافر.
وأما إذا كانت هذه الأماكن معدة لشرب الخمر، مثل الحانات والبارات، أو الأماكن المخصصة لذلك في البيوت والفنادق؛ فهنا يظهر المنع من تنظيف هذه الأماكن، لما في ذلك من الإعانة على المنكر، وتهيئة وتنظيف المكان المخصص له، والله تعالى يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
ويخشى على فاعلها أن يشمله الوعيد على من شرب الخمر، أو الإعانة على ذلك، ولو بوجه ما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه.
أخرجه أبو داود (3674)، وابن ماجه (3380). وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (4/88): وإسناده حسن، وقال شيخنا أبو العباس [أي: ابن تيمية]: هو حديث جيد.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة :
" نحن هنا في هولندا شباب مسلم ، متمسك والحمد لله بدينه ، ولكن الأعمال المتوافرة هنا كلها في الخمر والمطاعم التي تقدم لحوم الخنزير ، إلى جانب اللحوم الأخرى ، هل يجوز العمل في غسل الأواني التي يعد فيها لحم الخنزير ، كعمل لكسب الرزق ؟ أفيدونا أفادكم الله ، ووفقنا الله وإياكم ، وجزاكم الله خيراً .".
فأجابوا :
" لا يجوز لك أن تعمل في محلات تبيع الخمور أو تقدمها للشاربين ، ولا أن تعمل في المطاعم التي تقدم لحم الخنزير للآكلين ، أو تبيعه على من يشتريه ، ولو كان مع ذلك لحوم أو أطعمة أخرى ، سواء كان عملك في ذلك بيعاً ، أو تقديماً لها ، أم كان غسلا لأوانيها ؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ، وقد نهى الله عن ذلك بقوله : ( وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) ، ولا ضرورة تضطرك إلى ذلك ، فإن أرض الله واسعة ، وبلاد المسلمين كثيرة ، والأعمال المباحة فيها شرعا كثيرة أيضاً ، فكن مع جماعة المسلمين في بلد يتيسر فيها العمل الجائز ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ . وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) ، وقال سبحانه : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود" انتهى، من " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 14 / 414 ، 415 ) .
وينظر جواب السؤال رقم: (96614)، ورقم: (82356).
فالحاصل؛ أنه لا حرج في هذا العمل وما فيه من جمع هذه القوارير والعلب والانتفاع بها؛ إلا إذا علم أن الجهة التي تستلم هذه العبوات توجهها إلى مصانع عبوات الخمر.
والله أعلم.