هل \"خرجَ\" في هذا الحديث يعني حصرا المشي إلى المسجد أم حتى راكبا السيارة مقبول؟ وبالمثل ، هل يجب أن يكون من المنزل فقط؟ ماذا عن العمل؟ تشير الروايات النبوية المختلفة إلى الأجر العظيم للمشي إلى المسجد سيرا على الأقدام. بالإضافة إلى الحصول على الأجر لحضور صلاة الجماعة. يمكنُ للمرء أيضا الحصول على أجر عندما يذهبُ بالسيارة إلى المسجد. كانت حجَّتُه أنّ دورة إطارات السيارة يمكن مساواتها بالخطوات التي يخطو بها المرءُ عند المشي. هل هذه مقارنة صحيحة؟ هل هناك أحاديث تتحدَّثُ مثلا عن فضائل ركوب (الجمل / الخيل) إلى المسجد؟
الحمد لله.
روى أبو داود (558) عن القاسم أبي عد الرحمن، عن أبي أُمامةَ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ ).
وقد صححه وحسنه عدد من أهل العلم، صححه الشيخ شعيب في تحقيقة لسنن أبي داود.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
"وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ إلا أن في القاسم هذا -وهو ابن عبد الرحمن الشامي الدمشقي- اختلافا، وقد وثقه ابن معين والعجلي ويعقوب ابن سفيان والترمذي، وصحح له وغيرهم... " انتهى. "صحيح سنن أبي داود" (3 / 83).
و ( خَرَجَ ) هنا محمولة عند أهل العلم على معنى المشي.
فقد ساق أبو داود وغيره هذا الحديث تحت باب فضل المشي إلى الصلاة.
ولأن تفسيره بالمشي هو الذي يتوافق مع سائر ما ورد في الذهاب إلى المساجد؛ فقد ورد فيها الحث على المشي.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" السبب الثاني من مكفّرات الذنوب: المشي على الأقدام إلى الجماعات وإلى الجمعات.
ولا سيما إن توضأ الرجل في بيته، ثم خرج إلى المسجد لا يريد بخروجه إلا الصلاة فيه كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: ( صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسة وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ: لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ المَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ ).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مَنْ بُيُوتِ اللهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ، كَانَتْ خَطْوَتَاهُ: إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً )...
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل خطوة يمشيها إِلَى الصلاة صدقة )...
وفي سنن أبي داود عن أبي أمامة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: ( من خرج من بيته متطهرًا إِلَى صلاة مكتوبة ، فأجره كأجر الحاج المحرم ).
وفية أيضا عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، لَمْ يَرْفَعْ قَدَمَهُ الْيُمْنَى إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، وَلَمْ يَضَعْ قَدَمَهُ الْيُسْرَى إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً، فَلْيُقَرِّبْ أَوْ لِيُبَعِّدْ، فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى فِي جَمَاعَةٍ غُفِرَ لَهُ ).
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدّا.
والمشي إِلى الجمعات له مزيد فضل… " انتهى. "مجموع رسائل ابن رجب" (4/ 23 — 24).
خاصة وأن أكثر روايات هذا الحديث وردت بلفظ ( من مشى ).
فقد رواه الإمام أحمد في "المسند" (36 / 640) وغيره، بلفظ: ( مَنْ مَشَى إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ … ) الحديث.
بل بعضها قيد الذهاب الذي ورد فيه الأجر الخاص، بـ"مشى، ولم يركب":
فعن أَوْس بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا ) رواه أبو داود (345)، والنسائي (1384)، والترمذي (496)، وقال: "حَدِيثُ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ". ولم يذكر الترمذي: ( وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ ).
وصححه الألباني رحمه الله في "صحيح أبي داود (2 /176-177) .
وينظر للأهمية جواب السؤال رقم (405553)
ولم نقف على فضل الركوب إلى الجمع والجماعات، وإنما الوارد في هذا الباب المشي لا الركوب.
روى الإمام مسلم (663) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ، لَا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ، وَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ صَلَاةٌ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: أَوْ قُلْتُ لَهُ: لَوْ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ، وَفِي الرَّمْضَاءِ، قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ ).
ولا يصح قياس الركوب على المشي؛ لأن في المشي مزيد عمل وجهد، والركوب فيه مزيد رفاهية وراحة، وخطوة العبد من عمله ودوران عجلة السيارة ليست من كسبه وجهده، فلا يمكن المساواة بينهما.
وطالع للأهمية جواب السؤال رقم (70216).
ثانيا:
ذكر البيت في الحديث خرج مخرج الغالب، لأن غالب حال الناس أنهم يقصدون المساجد في أغلب الصلوات قادمين من بيوتهم.
فيلحق به من قصد الصلاة من مكان عمله أو إقامته المؤقتة وغير هذا، لأنها أعمال متماثلة.
قال ابن القيم رحمه الله ت عالى:
" قد استقرت شريعته سبحانه أن حكم الشيء حكم مثله، فلا تفرق شريعته بين متماثلين أبدا، ولا تجمع بين متضادين ... فبحكمته وعدله ظهر خلقه وشرعه، وبالعدل والميزان قام الخلق والشرع، وهو التسوية بين المتماثلين، والتفريق بين المختلفين " انتهى. "زاد المعاد" (4 / 248).
وينظر جواب السؤال (487558)
والله أعلم.