هل لأولاد أخي المتوفى حق واجب على كأولادي أم هي من باب الإحسان ؟
الحمد لله.
أولًا:
رحم الله أخاك وغفر له، وأعان أولاده على اجتياز مصاعب الحياة.
ثانيًا:
الحق هو ما يستحقه الشخص، ولا خلاف أن لأبناء أخيك حقوقًا عليك معنوية ومادية، وهي تختلف عن حقوق أبنائك في طبيعتها، لكن تظل هناك حقوق ملزمة لك تجاههم.
وهذه الحقوق هي:
(1) حق صلة الرحم، فإن أبناء أخيك من أحق الأرحام بصلتك؛ لأنك عصبة لهم، فهم قد يرثونك، وقد ترثهم، وأنت محرم للنساء منهم، وهذه أعلى درجة الرحم بعد الوالدين، قال ابن حجر عن الرحم: "يطلق على الأقارب، وهم مَنْ بينه وبين الآخر نسب ، سواء كان يرثه أم لا، سواء كان ذا محرم أم لا. وقيل : هم المحارم فقط، والأول هو المرجح" انتهى، من "فتح الباري" (10/414).
وقد تكلمنا من قبل عن صلة الرحم وحقوق الأرحام في جواب الأسئلة التالية: (266795)، (249382)، (217775).
(2) حق النصح والتوجيه والإرشاد بلطف ورحمة، وقد تكلمنا عن هذا من قبل في جواب السؤال رقم: (114832)، وفي السؤال كان الأب حيًا.
وتزداد هذه المسؤولية بلا شك في حالة وفاة الأب، وهذا "الحضور/التواجد" الرجولي الذي يمثله العم في حياة أبناء أخيه: عظيم القدر لا يستهان به، حتى إن العرب تسمي العم أبًا.
وقد امتن الله على نبيه عليه الصلاة والسلام فقال: أَلَم يَجِدكَ يَتِيما فَـآوَى الضحى/6، وهذا الإيواء فيه إشارة إلى كفالة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي قام بها عمه أبو طالب بعد وفاة الجد عبد المطلب، ونشأة رسول الله في كنف عمه أبي طالب، وإقرار الله لذلك، وامتنانه به على نبيه؛ مما يشير إلى عِظَم دور العم في حياة أبناء أخيه المتوفى.
(3) حق الولاية؛ فإن العم الشقيق يكون وليًا على بنات أخيه في النكاح، وهو مأمور بالإحسان إليهن، وأن يختار لهن الأحسن والأصلح في إطار تعاليم الإسلام، فلا يظلمهن بإعطائهن لمن لا يستحق ، ولا يعضلهن بحجبهن عمن يستحق، ويراجع في هذا جواب السؤال رقم: (228124).
(4) حق النفقة؛ فإن أولاد أخيك إن لم يكفهم ما تركه الأب لهم، ولم يكن لهم عمل مستقل يتكسبون به؛ تجب نفقتهم على أقاربهم بالاشتراك، الأقرب فالأقرب. بسبب القرابة، سواء كانوا وارثين بالفعل، أم لا، على القول الراجح. ولكنها تجب على الوارثين، ثم على من بعدهم من القرابة، الأقرب فالأقرب.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"(حجبه معسر أو لا): حجبه: الضمير الهاء يعود على المنفق، يعني أنه لا يشترط التوارث، فحتى لو كان المنفق محجوبا بمعسر تجب النفقة.
مثاله: رجل عنده أب فقير، وجد فقير، فيجب أن ينفق على أبيه؛ لأنه ابنه ووارثه، ويجب أن ينفق على جده مع أنه لا يرثه في هذه الصورة، ....الخ" "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (13/ 500).
وقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقف بني عم منفوس كلالة، بالنفقة عليه مثل العاقلة؛ فقال: لا مال له، قال: فوقفهم بالنفقة عليه، كهيئة العقل" عبد الرزاق في مصنفه (12181). والمنفوس: هو الرضيع الذي أمه في فترة النفاس.
وذكر ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: جاء ولي يتيم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: "أنفق عليه، ثم قال: لو لم أجد إلا أقصى عشيرته، لفرضت عليهم" المصنف (20286).
قال ابن القيم رحمه الله: "وقد ثبت أنَّ عمر بن الخطَّاب حَبَس عصبةَ صبيٍّ أن ينفقوا عليه، وكانوا بني عمِّه، وقد أوجب النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - العطيَّةَ للأقارب، وصرَّح بأنسابهم فقال: «أختَك وأخاك، ثم أدناك فأدناك، حق واجب ورحم موصولة".
فإن قيل: المراد بذلك البر والصلة، دون الوجوب؟
قيل: يردّ هذا أنه سبحانه أمر به وسماه حقا بقوله تعالى: وآت ذا القربى حقه [الإسراء: 26]، وأضافه إليه بقوله: (حقه)، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حق، وأنه واجب، وبعض هذا ينادي على الوجوب جهارا...، فأي قطيعة أعظم من أن يراه يتلظى جوعا وعطشا، ويتأذى غاية الأذى بالحر والبرد، ولا يطعمه لقمة، ولا يسقيه جرعة، ولا يكسوه ما يستر عورته ويقيه الحر والبرد، ويسكنه تحت سقف يظله؟ هذا وهو أخوه ابن أمه وأبيه، أو عمه صنو أبيه، أو خالته التي هي أمه" انتهى بتصرف يسير من "زاد المعاد" (6/153).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : "في القرآن حث على النفقة مطلقًا، فالأقارب المحتاجون ينفق عليهم من دون شرط الإرث، فلو كان له أخ وله أولاد؛ فهو لا يرثه لأجل أولاده البنين، ولكن إذا كان فقيرًا وأولاده فقراء، وأخوه موسر، وعنده فضل: وجب عليه أن ينفق ، هذا من صلة الرحم، والله جل وعلا أمر بصلة الرحم وتوعد من قطع الرحم قال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ محمد/22-23، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) ، فالقطيعة من كبائر الذنوب، وهل أشد من أن يراه فقيرًا عاجزًا ولا ينفق عليه، أي قطيعة فوق هذه القطيعة؛ أن يرى أخاه أو عمه أو أباه أو أمه فقراء ضعفاء عاجزين، وعنده مال وعنده سعة، وعنده فضل: ولا ينفق عليهم ، هذا من أكبر القطيعة ومن أظهر القطيعة" موقع الشيخ ابن باز
وعليه: فإن عليك نفقة أولاد أخيك إن لم يكن لهم مال ولا يستطيعون على التكسب، وليس لديهم منفق أقرب منك من حيث القرابة، كأم مقتدرة، وإن وجب عليك فيكون عليك وعلى إخوانك الآخرين القادرين، قسمة بينكم.
والله أعلم