الله هو الشافي، والقرآن أيضًا شفاء مثل تلاوة الفاتحة والنفث، إلخ. لذا كيف نبني عقيدتنا على هذا؟ هل ينبغي أن نرى القرآن كوسيلة للشفاء وأنّ الله هو الشافي، أم أنَّ القرآن يشفي لأنه كلام الله وبالتالي أحد صفاته؟ لقد درست أساسيات العقيدة من قبل ، لكن هل إذا خطر في ذهني أسئلة هامة تتعلق بالعقيدة مثل هذه، ولم أتمكن من معرفة الفهم الصحيح سيؤثر ذلك على إيماني والإسلام؟
الحمد لله.
الله تبارك وتعالى هو الشافي، وهو الفعال لما يريد، كما قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) الشعراء/80
وقال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأنعام/17
وكلامه تعالى شفاء، كما قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) يونس/57
وقال: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) الإسراء/82
وقال: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) فصلت/44
وروى البخاري (5675) ومسلم (2191) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ، قَالَ: (أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا).
وكلامه صفة من صفاته، لكن الصفة وحدها لا تفعل ولا تعطي ولا تمنع، وإنما ذلك لله تعالى الموصوف بصفاته.
فإذا قلنا: القرآن شفاء، فالمعنى: جعله الله شفاء، أي سببا للشفاء، لا أنه يشفي بنفسه، والأسباب شرعية وحسية، والقرآن سبب شرعي، أي عُلم تأثيره بالشرع.
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (4/ 22): "وكان علاجه صلى الله عليه وسلم للمرض ثلاثة أنواع:
أحدها: بالأدوية الطبيعية.
والثاني: بالأدوية الإلهية.
والثالث بالمركب من الأمرين" انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط:
أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بذات الله تعالى" انتهى من فتح الباري (1/ 73).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "كل من أثبت سببًا لم يجعله الله سببًا شرعيًّا ولا قدريًّا؛ فقد جعل نفسه شريكًا مع الله.
فمثلًا: قراءة الفاتحة سبب شرعي للشفاء، وأكل المسهّل سبب حسي لانطلاق البطن، وهو قدري؛ لأنه يعلم بالتجارب" انتهى من القول المفيد شرح كتاب التوحيد (1/ 164).
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 96): "والرقية الشرعية جائزة بشروط منها: أن تكون بكلام الله أو أسمائه وصفاته، فيجوز الاستشفاء بالقرآن وبالسنة فيما نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ورقى به نفسه أو رقى به أصحابه، أو بالدعوات الطيبة التي ليس فيها ما يخالف الشرع المطهر، ويشترط أن تكون الرقية باللغة العربية أو ما يفهم معناها، كما يشترط أن يعتقد الراقي والمرقي أن الرقية لا تؤثر بذاتها، ولا بذات المسترقي، بل بإذن الله تعالى فهو النافع الضار الشافي، وفعل الراقي سبب والله هو الذي خلق الأسباب والمسببات" انتهى.
وسئل الأستاذ الدكتور عبد الله بن محمد الطيار حفظه الله: " هل القرآن حفظ وشفاء بذاته أم سبب لحفظ العبد وللشفاء، أجبتموني أن الله أنزل لكل داء دواء، وأنا أعلم ذلك، وأعلم أن الأدوية أسباب، ليست شفاء بذاتها، وهذا الاعتقاد صحيح، وخلاف ذلك شرك، فهل القرآن كذلك؟ هل الاعتقاد أن القرآن شفاء بذاته لأنه كلام الله اعتقاد صحيح أم شرك؟
فأجاب: القرآن سبب للشفاء، يشفي الله به المؤمنين، كما قال سبحانه: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء:82]، وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ يونس:57.
ويجب أن يعتقد أن الرقية، التي منها القرآن: سبب للشفاء، كما يجب أن يُعتقد كذلك أن الشفاء لا يقع إلا بإذن الله تعالى؛ لأنه سبحانه هو الشافي، ولا شفاء إلا شفاؤه. وأن الرقية لا تستقل بالشفاء، أو دفع المكروه وحدها؛ لأن الشافي هو الله وحده" انتهى من موقعه.
والحاصل:
أن القرآن شفاء ودواء، جعله الله سببا لذلك، والشافي هو الله وحده.
والله أعلم.