كنت أصلي ركعتين، وظهر لي بعد السلام أنني نسيت التشهد الأخير، وكنت لا أعرف ماذا أفعل في هذه الحال، ولكن أعرف أنه ركن، فدخلت على موقع، وأنا جالس في مجلسي لم أقم ،ولم أتحدث مع أحد، وقرأت أحد فتاوى أنه على من ينسي التشهد الأخير ثم يتذكره بعد وقت قصير أن يرجع إلي مجلسه، ويأتي به، ويسجد للسهو، ثم يسلم.
سؤالي هو:
هل يصح ما فعلت من استخدام الهاتف للبحث عن الفتوى؟ وما هي ضوابط مدة الفصل؟ هل هي ثوان أم دقائق؟ أقصد هل يجوز إذا كانت عشر دقائق مثلا ؟ وهل يجوز التحدث فيها مع أحد، حتي ولو سؤاله عما يجب فعله في هذه الحال؟
الحمد لله.
أولا:
من تذكر بعد السلام من الصلاة أنه نسي ركنا، فإنه يأتي به إذا لم يطل الفصل، ولم يُحْدث، ويسجد للسهو.
فإن طال الفصل، أو أحدث: أعاد الصلاة.
وطول الفصل لا حد له في الشرع، فيُرجع فيه إلى العادة.
وأقرب ما يقاس عليه ما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين، وذلك لا يزيد على خمس دقائق.
قال ابن قدامة في “المغني” (1/373) : ” وجملة ذلك أن من سلم قبل إتمام صلاته ساهيا، ثم علم قبل طولِ الفصل ونقضِ وضوئه: فعليه أن يأتي بما بقي , ثم يتشهد ويسلم , ثم يسجد سجدتي السهو ويتشهد ويسلم …
فإن طال الفصل , أو انتقض وضوؤه استأنف الصلاة .
وكذلك قال الشافعي: إن ذكر قريبا مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذي اليدين , ونحوه قال مالك…
ويُرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة، من غير تقدير بمدة.
وهو مذهب الشافعي في أحد الوجوه.
وعنه: يعتبر قدر ركعة .
وقال بعضهم : يعتبر بقدر مضي الصلاة التي نسي فيها .
والصحيح: لا حد له؛ لأنه لم يرد الشرع بتحديده، فيرجع فيه إلى العادة، والمقاربة لمثل حال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين” انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “قوله: «فإن طال الفصل» لم يُبيِّن المؤلِّف مقدار الفصل، فيُرجع في ذلك إلى العُرف.
ومثال الفصل القصير: أن يكون الفَصْلُ كالفصلِ في صلاة الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم في قصةِ ذي اليدين، فإنه قام إلى مقدَّم المسجد، واتكأ على خشبة معروضة هناك، وتراجع مع الناس، وخرج سُرَعان الناس من المسجد، وهم يقولون: قُصرت الصَّلاة.
فما كان مثل هذا، كثلاث دقائق، وأربع دقائق، وخمس دقائق وما أشبهها، فهذا لا يمنع مِن بناء بعضها على بعض.
وأما إن لم يَذْكُر إلا بعد زمن طويل، كساعة أو ساعتين، فإنه لا بُدَّ مِن استئناف الصَّلاة” انتهى من “الشرح الممتع” (3/ 363).
ثانيا:
استعمال الهاتف للبحث عن فتوى، هو عمل من غير جنس الصلاة، فإن كان كثيرا أبطلها، وإن كان يسيرا، فلا حرج.
واختلف الفقهاء في ضابط العمل اليسير والكثير:
فمنهم من قال: إذا كان العمل كثيرا متواليا: أبطل. وإذا كان يسيرا، أو كثيرا متفرقا: لم يبطل، وهو مذهب الحنابلة.
ومنهم من قال: الكثير هو ما لا يشك الناظر في فاعله أنه ليس في الصلاة، وهذا الأصح عند الحنفية، ويقرب منهم المالكية.
وأرجع الشافعية ذلك للعرف.
وينظر: “الموسوعة الفقهية” (27/ 126).
وضبط الحنابلة اليسير بما كان كفعله صلى الله عليه وسلم، في حمل أمامة ووضعها، وتقدمه لفتح الباب لعائشة رضي الله عنها.
قال ابن قدامة رحمه الله في “المغني”(2/ 11): “ولا بأس بالعمل اليسير في الصلاة للحاجة؛ لما روى أبو داود عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: «كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصلي والباب عليه مغلق، فجئت فاستفتحت، فمشى، ففتح لي، ثم رجع إلى مصلاه».
وعن جابر – رضي الله عنه – أنه قال «إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعثني بحاجة، فأدركته وهو يشير فسلمت عليه فأشار إلي فلما فرغ دعاني، فقال: إنك سلمت علي آنفا وأنا أصلي».
ولا تبطل الصلاة بجميع ذلك؛ إلا أن يتوالى، ويكثر” انتهى.
وقال في “كشاف القناع” (1/ 398): ” (ولا يبطل) الصلاة عمل من غير جنس الصلاة (يسير) عادة؛ لما تقدم من فتحه صلى الله عليه وسلم الباب لعائشة، وحمله أمامة، ووضعها، وكذا لو كثُر العمل وتفرق” انتهى.
وقال في “مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى” (1/ 485): ” ولا يتقدر الجائز منه بثلاث، ولا بغيرها من العدد، بل اليسير ما عده العرف يسيرا؛ لأنه لا توقيف فيه، فيرجع للعرف كالحرز، والقبض، «وما شابه فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حمل أمامة، وفتحه الباب لعائشة، وتأخره في صلاة الكسوف، وتقدمه» فهو يسير لا تبطل الصلاة بمثله؛ لأنه مشروع”.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” مثال آخر: رَجُلٌ معه قلمٌ، وكان ناسياً محفوظاته، فلما دَخَلَ في الصلاة ذكرها، والاختبار قريب، والقطعة خمسة أسطر، فأخرج الورقة، وجعل يكتبها وهو يُصلِّي؛ لأنه خاف إن انفتل مِن صلاته أنْ ينسى.
فهذا كثير تبطل به الصَّلاة.
لكن لو كانت كلمة أو كلمتين: فهي يسيرة، فإذا احتاج إلى ذلك فلا بأس؛ لأنه أحياناً يكون للإِنسان أَمْرٌ ضروري لا بُدَّ أن يذكره، والشيطان إذا دَخَلَ الإِنسان في الصلاة أقبل إليه، وجعل يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لِمَا لم يكن يذكره حتى يذكره، لا رأفة به؛ لكن إفساداً لعبادته؛ حتى تبقى الصَّلاةُ جسداً بلا روح” انتهى من “الشرح الممتع” (3/ 352).
ثالثا:
إذا كانت الحركة الكثيرة للضرورة، أو لمصلحة الصلاة: لم تبطل بها الصلاة.
وقد روى البخاري (403) ومسلم (526) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : ” بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا ، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ ” .
قال ابن عثيمين رحمه الله :” فيه جواز الحركة لمصلحة الصلاة ” انتهى من “مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” (12 /354) .
وعليه؛ فلا تبطل صلاتك بإخراجك للهاتف، والبحث فيه ولو كان ذلك عملا كثيرا؛ لأنه لمصلحة الصلاة.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (244819)، ورقم: (190016)، ورقم: (507210)
رابعا:
من تكلم في الصلاة عامدا، لغير مصلحتها وهو يعلم أن ذلك محرم، بطلت صلاته بالإجماع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله “: قَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ: أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ بِكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، عَامِدًا، لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهَا، عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ= بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (12/ 93).
فإن كان لمصلحة الصلاة ، فللعلماء في ذلك قولان ، والراجح أنها لا تبطل بذلك.
وسئل علماء اللجنة الدائمة عمن نبه الإمام فقال: ” : إنك في الركعة الخامسة” فأجابوا:
” الكلام المتعمد في أثناء الصلاة يبطلها، إلا في حق الجاهل والناسي، فإنه لا يبطلها على القول الراجح؛ لحديث معاوية بن الحكم، أنه عطس عنده رجل فشمته وهو في الصلاة، فأنكر عليه الصحابة رضي الله عنهم فلما فرغ من صلاته أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» ولم يأمره بالإعادة.
فدل ذلك على أن الكلام في الصلاة لا يبطلها إذا كان المتكلم جاهلا بالحكم الشرعي.
وكذا التكلم في الصلاة لمصلحتها: لا يبطلها؛ لحديث ذي اليدين” انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة” (5 / 434).
وينظر: جواب السؤال رقم: (144502).
وعليه: فلو لم تعلم ما يلزمك في الصلاة، فسألت غيرك، فقلت: نسيت التشهد فماذا أفعل؟
فالظاهر أن صلاتك لا تبطل؛ لأنه كلام لمصلحة الصلاة.
ولو احتطت، فاستأنفت صلاتك من جديد، خروجا من خلاف من أبطل الصلاة بالكلام، ولو لمصلحتها، وهو قول جمهور الفقهاء فهو حسن.
والله أعلم.