الحمد لله.
روى البخاري (4850)، ومسلم (2846) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الجَنَّةُ: مَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ: فَلاَ تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلاَ يَظْلِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الجَنَّةُ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا).
وللبخاري (7384)، ومسلم (2848) من حديث أنس رضي الله عنه: (وَلَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللهُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ ).
والذي يُفهم من كلام أهل العلم: أن الخلق الذي ينشئهم الله تعالى ويسكنهم الجنة هم من البشر.
قال النووي رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم (وأما الجنة، فإن الله ينشىء لها خلقا): هذا دليل لأهل السنة أن الثواب ليس متوقفا على الأعمال؛ فإن هؤلاء يخلقون حينئذ، ويُعطَون في الجنة ما يعطون بغير عمل.
ومثله أمر الأطفال والمجانين الذين لم يعملوا طاعة قط، فكلهم في الجنة برحمة الله تعالى وفضله.
وفي هذا الحديث دليل على عظم سعة الجنة، فقد جاء في الصحيح أن للواحد فيها مثل الدنيا وعشرة أمثالها، ثم يبقى فيها شيء لخلق ينشئهم الله تعالى" انتهى من "شرح مسلم" (17/ 183).
وينظر: "التوضيح شرح الجامع الصحيح" لابن الملقن (23/ 283)، شرح المشكاة للطيبي (11/ 3597)، "شرح القسطلاني" على البخاري (7/ 354)، "البحر المحيط الثجاج" للأثيوبي (43/ 675).
وقال ابن القيم رحمه الله في بيان أن الجنة ليس فيها ولادة:
" الرابع: أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وَلَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ) رواه مسلم (5085) .
ولو كان في الجنة إيلاد: لكان الفضل لأولادهم، وكانوا أحق به من غيرهم" انتهى من "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح"، ص247 .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح البخاري: " يبقى في الجنة فضل عمن دخلها، والذي يدخلها من بني آدم واحد من ألف، لكن الواحد من ألف له ملك طويل عريض، مسيرة ألفي عام، ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه، إلا أن هذه الجنة عرضها السماوات والأرض. ومن يدرك عرض السماوات والأرض؟ لا يدركه إلا الله، واسعة، ساحة عظيمة يدخلها أهلها، ويبقى فيها فضل، وقد وعدها الله عز وجل أن يملأها وهو أوفى من وعد: ( من أوفى بوعده من الله )؟!
فيبقى فيها فضل، يقول : ( حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة )؛ في ذلك الوقت يخلق الله أقواما جددا، ويدخلهم الجنة بلا عمل، بل بفضله ورحمته، ينشئ الله للجنة أقواما لأجل أن يملؤوا هذا الفضل، وهذا مصداق قوله : "إن رحمتي سبقت غضبي" والله أعلم" انتهى مختصرا.
فقولهم: إنهم يدخلون بلا عمل، وأن الثواب لا يتوقف على العمل، وأنهم أقوام، وأنهم يسكنون الفضلة فيغني وجودهم عن الولادة، كل هذا يدل على أنه من جنس أهل الجنة وهم البشر.
على أن هذه السؤال عن مثل ذلك: هو بفضول القول، وتكلف البحث: أشبه.
والذي ينبغي على العبد أن ينشغل بما تنفعه معرفته، ويطلب ما في طلبه نجاته.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (344994)، ورقم: (355527)، ورقم: (335121).
والله أعلم.