إذا دعت امرأة رجلا الى فاحشة عبر الدردشات في وسائل التواصل الاجتماعي الشات، أو العكس رجل يدعو امرأة، ولكن الطرف الثاني رفض، هل يدخل في حديث السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله؟
الحمد لله.
أولا:
لا يخفى على ذي عقل ودين: خطر المحادثات الخاصة بين الرجال والنساء الأجانب، من حيث المبدأ؛ وذلك لما يترتب على هذه المحادثات من تساهل في الحديث يدعو إلى الإعجاب والافتتان غالبا ، ولهذا فإن الواجب هو الحزم والابتعاد عن ذلك ، ابتغاء مرضاة الله ، وحذرا من عقابه .
وكم جَرَّت هذه المحادثات على أهلها من شر وبلاء ، حتى أوقعتهم في عشق وهيام ، وقادت بعضهم إلى ما هو أعظم من ذلك ، والشيطان يخيل للطرفين من أوصاف الطرف الآخر ما يوقعهما به في التعلق المفسد للقلب المفسد لأمور الدنيا والدين.
وقد سدت الشريعة كل الأبواب المفضية إلى الفتنة ، ولذلك حرمت الخضوع بالقول والمصافحة والنظر ، ومنعت الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية ، و أن هذه المحادثات الخاصة سبب من أسباب الفتنة كما هو مشاهد ومعلوم .
وأما أن يصل الأمر إلى المواعدة على الفحش والخنا، والعياذ بالله؛ فهنا قد بلغ الشيطان بمن يتبعه على خطواته، منتهى أمانيه، وأوشك أن يقع بهم في هوة سحيقة … ما لها من قرار!!
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (34841 )، ورقم: (277583 )، ورقم: ( 102930)
ثانيا:
روى البخاري (6806)، ومسلم (1031) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فِي خَلاَءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسْجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا، قَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ.
والمقصود برجل دعته امرأة؛ أي دعته إلى الزنا، وإنما نال هذا الأجر العظيم لأن الصبر على ذلك دليل على كمال تقواه وخشيته.
قال القرطبي رحمه الله: ” وقول المدعو في مثل هذا: إني أخاف الله، وامتناعه لذلك [=امنتاعه لأجل مخافة الله]: دليل على عظيم معرفته بالله تعالى، وشدّة خوفه من عقابه، ومتين تقواه، وحيائه من الله تعالى، وهذا هو المقام اليوسفيّ. انتهى من “المفهم” (3/ 76).
وقال النووي رحمه الله: “وخصّ ذات المنصب والجمال؛ لكثرة الرغبة فيها، وعسر حصولها، وهي جامعة للمنصب والجمال، لا سيما وهي داعية إلى نفسها، طالبة لذلك، قد أغنت عن مشاقّ التوصل إلى مراودة ونحوها، فالصبر عنها لخوف الله تعالى، وقد دعت إلى نفسها، مع جمعها المنصب والجمال: من أكمل المراتب، وأعظم الطاعات، فرتّب الله تعالى عليه أن يُظلّه.
وذات المنصب هي ذات الحسب، والنسب الشريف.
ومعنى دعته: أي دعته إلى الزنى بها” انتهى من “شرح مسلم” (7/ 122).
فهذا الثواب العظيم وهو الظل يوم الحر ودنو الشمس معلق بما ذكر في الحديث: أن تكون الدعوة من امرأة ذات منصب وجمال، للزنا المباشر بها.
وهل يلتحق بذلك ما لو دعا رجل ذو منصب وجمال امرأة للفاحشة؟
قال الصنعاني رحمه الله في “سبل السلام” (1/ 541) : ” واعلم أنه لا مفهوم يعمل به في قوله: “ورجل تصدق” فإن المرأة كذلك؛ إلا في الإمامة” انتهى.
أي: أن المرأة مثل الرجل في جميع الخصال المذكورة في الحديث-ومنها العفة عن الفاحشة- إلا خصلة الإمامة، أي قوله: “إمام عادل” لأن المرأة لا يصح أن تكون إمامة.
ثالثا:
وأما الدعوة إلى الزنا عبر وسائل التواصل فيظهر أن يقال فيها:
1-إن كان المقصود الدعوة إلى الزنى عبر هذه الوسائل ليتم في منزل ونحوه، فهو داخل في هذا الحديث.
2-وإن كان المقصود هو فعل الفاحشة على وسيلة التواصل نفسها، كما يفعله بعض الفجرة، فلا شك أن العفة عن ذلك، والصبر عليه أمر عظيم؛ لا سيما إذا كان فعلها قد يؤدي للقاء المباشر، أعاذنا الله من ذلك كله.
فإن كان قد يؤدي للقاء المباشر، فالصابر المتعفف عن هذه الدعوة يدخل في الحديث، فيما يظهر.
وإن كان الأمر يقتصر على وسيلة التواصل، فيرجى للصابر الثواب، لكن لا يظهر دخوله في هذا الثواب العظيم.
ومعلوم أن اجتناب ذلك واجب على كل أحد، ويأثم الإنسان بالعلاقة المحرمة ولو لم تصل إلى فعل الفاحشة أو الدعوة إليها.
ومن تيسرت له سبل الفاحشة، فعف عن ذلك، ولم يطع هواه، فهو على خير عظيم.
وقد قال الله تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ الرحمن/46-47.
وقال تعالى: فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى النازعات/34-41.
ويرجى لكل من عف عن التواصل المحرم، أو العلاقة المحرمة بين الجنسين، وآثر ما عند الله، وخاف مقام ربه: أن يكون له نصيب من ظل الله يوم القيامة، وأن يبدله في جنات النعيم خير مما فاته، وما عند الله خير للأبرار.
والله أعلم.