قسم ماله قبل موته وأعطى بعض الأولاد دون بعض

29-01-2006

السؤال 72793

قام والدي بتقسيم كل ما يملك وهو المنزل الذي نشأنا فيه وتمليكه لثلاثة من أولاده دون الآخرين وأقصد أختين وأخ وأنا .
وإخواني بارك الله فيهم ولهم ميسورو الحال ، وأنا وأخي نعمل بالأجر خارج بلادنا ، وأخواتي متزوجات ، وعندما حصل التقسيم والتمليك كنا خارج البلاد ، وما زلنا لم نغصب والدينا ، والدليل أنهم يدعون لنا ويؤكدون عفوهم عنا . هل يجوز لوالدي منح ولد وحرمان الآخر في شيء كهذا ؟ وبماذا تنصحنا أن نقول لوالدنا ؟ لأننا سمعنا بأن هذا الفعل منافٍ للشريعة ؟.

الجواب

الحمد لله.

أولا :

الذي فعله والدك هو إعطاء لبعض أولاده دون الآخرين ، وليس قسمة لأمواله بين ورثته في حياته ، لأنه لم يعط جميع الورثة ، وإنما خص بعض أولاده .

وتخصيص بعض الأولاد بالعطية من غير سبب يبيح ذلك حرام .

وقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الشهادة على مثل ذلك ، وسماه جورا ، وذلك فيما رواه البخاري (2586) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا ، فَقَالَ : أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ؟ قَالَ لَا قَالَ : ( فَارْجِعْهُ ) . ومعنى (نحلت ابني غلاما) أي أعطيته غلاما .

ورواه البخاري (2587) عَنْ عَامِرٍ قَالَ : سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ ( يعني : أمه ) لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً ، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ) قَالَ : فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ .

وفي رواية للبخاري أيضا (2650) : ( لا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ ) .

وفي رواية لمسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ : انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي ، فَقَالَ : أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : ( فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي ) ثُمَّ قَالَ : ( أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً ) قَالَ : بَلَى . قَالَ : ( فَلا إِذًا )

ثانياً :

على من وقع في هذا الجور أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يرجع في عطيته تلك ، أو يعطي سائر أولاده مثله . لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فارجعه )

قال ابن قدامة رحمه الله : " يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية , إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل , فإن خص بعضهم بعطيته , أو فاضل بينهم فيها أثم , ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين ; إما رد ما فضل به البعض , وإما إتمام نصيب الآخر . قال طاوس : لا يجوز ذلك , ولا رغيف محترق . وبه قال ابن المبارك وروي معناه عن مجاهد , وعروة " انتهى من "المغني" (5/387).

وإذا رضي من مُنِعوا من العطية بذلك وطابت نفوسهم ، فلا حرج على الوالد في تخصيص بعض أولاده بها ، لأن الحق كان لإخوتهم وقد رضوا بإسقاطه ، مع أن الأفضل أنه لا يفعل ذلك حتى مع رضاهم .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" يجب على الوالد العدل بين أولاده ذكورهم وإناثهم حسب الميراث ، ولا يجوز له أن يخص بعضهم بشيء دون البقية إلا برضى المحرومين إذا كانوا مرشدين ، ولم يكن رضاهم عن خوف من أبيهم ، بل عن نفس طيبة ليس في ذلك تهديد ولا خوف من الوالد ، وعدم التفضيل بينهم أحسن بكل حال ، وأطيب للقلوب ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) متفق على صحته " انتهى .

" فتاوى الشيخ ابن باز " (20/51)

ثالثاً :

سبق في جواب السؤال رقم (36872) أنه لا حرج في تفضيل بعض الأولاد بالعطية إذا كان هناك سبب يقتضي ذلك كحاجته وفقره أو كونه طالب علم ونحو ذلك . فإن كان هناك سبب شرعي لتخصيص والدكم هؤلاء بالعطية فلا حرج عليه ، وإن لم يكن هناك سبب شرعي ولم ترضوا بذلك فالواجب عليه رد هذه العطية والعدل بينكم .

رابعاً : وعليكم إذا لم ترضوا بذلك أن تناصحوا أباكم بلطف ولين وتبيّنوا له أن الواجب عليه العدل بينكم ، وقد تحتاجون إلى بيان ذلك له بالأدلة الشرعية ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (67652)

والله أعلم .

الإرث وتوزيع التركة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب