الأربعاء 6 ربيع الآخر 1446 - 9 اكتوبر 2024
العربية

هل يجب على الأم العدل في العطية بين أولادها ؟

السؤال

كنت أعطي والدتي ألف ريال شهريا رغم عدم احتياجها للمال ، وكان ذلك محاولة مني لرد جزء يسير من معروف الوالدين ، وكانت تدخر هذا المبلغ ، وبعد فترة بدأت في بناء منزل خاص بي وأصبحت في حاجة إلى المال ، فأوقفت هذا المبلغ الشهري ، ثم اقترحت والدتي أن أقتسم المال الذي يخصها أنا وأختي ( متزوجة ) ، حيث إن حالتها المادية ليست ميسورة ، مع العلم أنه لي أخ وأخت غير أختي هذه ( متزوجة أيضاً ) ، وهما يعيشان في رغد وبحبوبة .
والسؤال :
هل يجوز لي أنا وأختي المحتاجة أن نقتسم هذا المال دون إعطاء الأخ الوحيد والأخت الأخرى ؟ وإذا كان لا يجوز فكيف لوالدتي أن تقسم هذا المال ؟.

الجواب

الحمد لله.

أولاً :

أوجب الله تعالى العدل بين الأولاد ذكورهم وإناثهم في العطية .

فعن النعمان بن بشير أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني نحلتُ

( أي : وهبت ) ابني هذا غلاماً ، فقال : أكلَّ ولدك نحلتَ مثلَه ؟ قال : لا ، قال : فارجعه .

رواه البخاري (2446) ومسلم (1623) .

وإذا فضل الوالد بعض أولاد ه بالعطية فالواجب عليه العدل بينهم ، وذلك بأحد أمرين : أما أن يسترد الهدية ، وإما أن يعطي الآخرين حتى يعدل بينهم .

انظر "الموسوعة الفقهية" (11/359) .

ثانياً :

" وَالأُمُّ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الأَوْلادِ كَالأَبِ ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : ( اتَّقُوا اللَّهِ , وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ ) . وَلأَنَّهَا أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ , فَمُنِعَتْ التَّفْضِيلَ كَالأَبِ , وَلأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِتَخْصِيصِ الأَبِ بَعْضَ وَلَدِهِ مِنْ الْحَسَدِ وَالْعَدَاوَةِ , يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي تَخْصِيصِ الأُمِّ بَعْضَ وَلَدِهَا , فَثَبَتَ لَهَا مِثْلُ حُكْمِهِ فِي ذَلِكَ " انتهى . "المغني" (8/261) .

ثالثاً :

القسمة الشرعية في عطية الوالد لأولاده أن تكون حسب قسمة الميراث ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، لأنه لا أعدل من قسمة الله تعالى .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الاختيارات" ( ص 184) :

" ويجب التعديل في عطية أولاده على حسب ميراثهم . وهو مذهب أحمد " انتهى .

وقال شريح القاضي لرجل قسم ماله بين أولاده : قِسْمَةُ اللَّهِ أَعْدَلُ مِنْ قِسْمَتِك , فَارْدُدْهُمْ إلَى قِسْمَةِ اللَّهِ وَفَرَائِضِهِ . رواه عبد الرزاق في مصنفه .

وقال عطاء : مَا كَانُوا يُقَسِّمُونَ إلا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى .

انظر "المغني" (8/261) .

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" ( 16/197) :

" يلزم والدك إن أراد قسمة ماله أو بعض ماله بين أولاده أن يقسمه على الذكور والإناث ، وفق المواريث الشرعية : للذكر مثل حظ الأنثيين " انتهى .

رابعاً :

إذا كان الأولاد كباراً راشدين فإنه يجوز للأب أو الأم إعطاء أحد أولادهم دونهم على أن يكون ذلك عن رضاً منهم ودون إحراج .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" يجب على الوالد العدل بين أولاده ذكورهم وإناثهم حسب الميراث ، ولا يجوز له أن يخص بعضهم بشيء دون البقية إلا برضى المحرومين إذا كانوا مرشدين ، ولم يكن رضاهم عن خوف من أبيهم ، بل عن نفس طيبة ليس في ذلك تهديد ولا خوف من الوالد ، وعدم التفضيل بينهم أحسن بكل حال ، وأطيب للقلوب ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) متفق على صحته " انتهى .

"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (9/452) .

وقال الشيخ رحمه الله – أيضاً - :

" لا شك أن بعض الأولاد خير من بعض ، هذا أمر معلوم ، لكن ليس للوالد أن يفضل بسبب ذلك ، بل يجب أن يعدل ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) ، فلا يجوز له تفضيل من أجل أن هذا أحسن من هذا وأبر من هذا ، بل يجب أن يعدل بينهم ، ونصيحة الجميع حتى يستقيموا على البر وعلى طاعة الله ورسوله ؛ ولكن لا يفضل بعضهم على بعض في العطية ، ولا يوصي لبعضهم دون بعض ؛ بل كلهم سواء في الميراث والعطية على حسب ما جاء به الشرع من الميراث والعطية ، يعدل بينهم كما جاء في الشرع ، فللرجل مثل حظ الأنثيين ، فإذا أعطى الرجل من أولاده ألفاً يعطي المرأة خمسمائة ، وإذا كانوا مرشدين وتسامحوا ، وقالوا : أعط أخانا كذا ، وسمحوا سماحاً واضحاً ، فإذا قالوا : نسمح أن تعطيه سيارة أو تعطيه كذا ... ويظهر له أن سماحهم حقيقة ليس مجاملة ولا خوفا منه ، فلا بأس .

والمقصود : أن يتحرى العدل إلا إذا كان الأولاد مرشدين ، سواء أكانوا ذكوراً أو إناثاً وسمحوا لبعضهم أن يعطوا شيئاً لأسباب خاصة ، فلا بأس ، فالحق لهم " انتهى .

"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (9/235) .

وعلى هذا ؛ فالواجب على أمك أن تعدل بينكم في هذا المال ، فتعطي الذكر مثل حظ الأنثيين ، وإذا حصل تفضيل بعضكم على بعض برضىً من الآخرين فلا حرج إن شاء الله تعالى .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب