الحمد لله.
أولا :
لا نعرف حديثا يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا السياق ، ولو بسند غير صحيح ، والذين صنفوا في فضائل القرآن وتفسيره من أهل العلم لم يذكر واحد منهم فيما نعلم شيئا من ذلك ، وهذه الأحاديث الصحيحة الثابتة في فضائل هذه السور المذكورة معروفة مشهورة ، ولكنها لا تشتمل على مثل هذه المجازفات ، وإنما يتداول هذا الحديث الباطل بعض أهل البدعة ممن لا يعرف العلم ولا اشتم رائحته ، وهو فوق ذلك لا يتورع عن الكذب على الله ورسوله .
ثانيا :
وأما الحديث المذكور في سورة الفاتحة : فلا أصل له أيضا عن النبي صلى الله عليه
وسلم ، فيما نعلم ؛ وإن كان أصل الاستشفاء بالفاتحة معروفا ثابتا ، لكن ليس
بالكيفية المذكورة في هذا الحديث .
روى البخاري (2276) ومسلم (2201) والترمذي (2063) – واللفظ له - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ : " بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَنَزَلْنَا بِقَوْمٍ فَسَأَلْنَاهُمْ الْقِرَى فَلَمْ
يَقْرُونَا فَلُدِغَ سَيِّدُهُمْ فَأَتَوْنَا فَقَالُوا : هَلْ فِيكُمْ مَنْ
يَرْقِي مِنْ الْعَقْرَبِ ؟ قُلْتُ نَعَمْ أَنَا وَلَكِنْ لَا أَرْقِيهِ حَتَّى
تُعْطُونَا غَنَمًا ، قَالَ فَأَنَا أُعْطِيكُمْ ثَلَاثِينَ شَاةً ، فَقَبِلْنَا
فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ – يعني الفاتحة - سَبْعَ مَرَّاتٍ فَبَرَأَ
وَقَبَضْنَا الْغَنَمَ ، قَالَ فَعَرَضَ فِي أَنْفُسِنَا مِنْهَا شَيْءٌ فَقُلْنَا
: لَا تَعْجَلُوا حَتَّى تَأْتُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، قَالَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَيْهِ ذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي صَنَعْتُ
قَالَ : ( وَمَا عَلِمْتَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ؟ اقْبِضُوا الْغَنَمَ وَاضْرِبُوا لِي
مَعَكُمْ بِسَهْمٍ ) .
راجع لمعرفة بعض فضائل سورة الفاتحة جواب السؤال رقم : (132386) .
ثالثا :
أما الاستشفاء بسورة ( الكافرون ) و ( الفلق ) و ( الناس ) فورد فيها ما رواه
الطبراني في "المعجم الصغير" (830) عن علي قال : " لدغت النبي صلى الله عليه وسلم
عقرب وهو يصلي فلما فرغ قال : ( لعن الله العقرب لا تدع مصليا ولا غيره ) ثم دعا
بماء وملح وجعل يمسح عليها ويقرأ بقل يا أيها الكافرون ، وقل أعوذ برب الفلق ، وقل
أعوذ برب الناس " .
صححه الألباني في "الصحيحة" (548) .
وروى أبو داود (1463) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : " بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْجُحْفَةِ
وَالْأَبْوَاءِ إِذْ غَشِيَتْنَا رِيحٌ وَظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ فَجَعَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ بِأَعُوذُ بِرَبِّ
الْفَلَقِ وَأَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ وَيَقُولُ : ( يَا عُقْبَةُ ! تَعَوَّذْ
بِهِمَا فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا ) صححه الألباني .
وراجع لمعرفة فضل آية الكرسي جواب السؤال رقم : (6092) .
وراجع لمعرفة حكم الاستشفاء بالمطر جواب السؤال رقم : (164231) .
ثالثا :
يغني عن الكيفية المذكورة ، التي لم يثبت لها أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في
هذا ما رواه مسلم (2202) عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ : "
أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا
يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ
وَقُلْ : بِاسْمِ اللَّهِ - ثَلَاثًا - وَقُلْ - سَبْعَ مَرَّاتٍ - : أَعُوذُ
بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ ) .
والله تعالى أعلم .
تعليق