الحمد لله.
لقد كلّم جبريل عليه السلام محمداً صلى الله عليه وسلم دون حجاب ، وقد رآه صلى الله عليه وسلم على صورته الحقيقية ، وقد ثبت هذا في كثير من الآيات والأحاديث :
1. قوله تعالى : ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) النجم / 1 - 6 .
وقد ذكر المفسرون أن المقصود بقوله تعالى : ( علّمه شديد القوى ) هو جبريل عليه السلام ، علّم محمداً صلى الله عليه وسلم الوحي . ومن صور الوحي : الكلام المباشر بين المَلَك والنبي ؛ فدلّ هذا على أن جبريل عليه السلام كلّم محمداً صلى الله عليه وسلم . ومما يؤيد هذه الدلالة قوله عز وجل : ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) الشعراء / 192 - 195 . وقوله سبحانه : ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) البقرة / 97 .
2. وكذلك حادثة بدء الوحي المشهورة ، عندما كان عليه الصلاة والسلام معتزلاً في غار حراء ، إذ أتاه جبريل عليه السلام ، وأمره أن يقرأ . عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا . حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ : اقْرَأْ . قَالَ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ . قَالَ : فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي ، فَقَالَ : اقْرَأْ . قُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ . فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي ، فَقَالَ : اقْرَأْ . فَقُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ . فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ) فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ .. " رواه البخاري برقم 3 ، ومسلم برقم 231 .
3. وعن عائشة رضي الله عنها : أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ .. " رواه البخاري برقم 2 .
4. حديث جبريل الطويل ، عندما جاء متمثلاً على شكل رجل غريب ، وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والرسول صلى الله عليه وسلم يجيبه ، وهو يعلم أنه جبريل ، فعندما فرغ من أسئلته وذهب أخبر النبي الصحابة أن هذا جبريل أتاهم يعلمهم دينهم . انظر صحيح البخاري برقم 48 ، ومسلم برقم 9 .
5. وما جاء في ذكر حادثة الإسراء والمعراج ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يسأل جبريل وجبريل يجيبه . انظر صحيح البخاري برقم 2968 ، ومسلم برقم 238 ، والأحاديث التي تروي قصة الإسراء والمعراج .
6. وأيضاً الأحاديث الكثيرة التي يقول فيها عليه الصلاة والسلام : " أتاني جبريل فقال .. " ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم : " أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام فَقَالَ : مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ . قُلْتُ : وَإِنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ " رواه البخاري برقم 2213 ، ومسلم برقم 137 .
وعندما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق هو وأصحابه ووضع السلاح واغتسل ، أتاه جبريل وقد عَصَبَ رَأْسَهُ الْغُبَارُ ، فقال : " وَضَعْتَ السِّلاحَ ! فَوَ اللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَأَيْنَ ؟ قَالَ : هَاهُنَا - وَأَوْمَأَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ - فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رواه البخاري برقم 2602 ، ومسلم برقم 3315 .
ونحو ذلك من الأدلة ، والله تعالى أعلم .
تعليق