الحمد لله.
أولا : قول الله تعالى : ( لا نُفَرِّق بَيْن أحدٍ من رُسُلِه ) البقرة/285 ، قال ابن كثير في تفسيرها :
المؤمنون يصدِّقون بجميع الأنبياء والرسل ، والكتب المُنَزَّلة من السماء ، على عباد الله المرسلين والأنبياء لا يُفَرِّقون بين أحدٍ منهم ، فَيُؤْمِنُون بِبَعْضٍ ويَكْفُرون ببعض ، بل الجميع عندهم صادقون بَارُّون راشدون مَهْدِيُّون هادون إلى سبيل الخير ، وإنْ كان بعضهم يَنْسَخ شريعة بعض ، حتى نُسِخَ الجميع بشرع محمدٍ خَاتَم الأنبياء والمرسَلِين ، الذي تَقُومُ الساعة على شريعَتِهِ . تفسير ابن كثير1/736
أما تفاضل الأنبياء بعضهم على بعض فإن الله عز وجل أخبرنا بذلك فقال : ( تِلْكَ الرُّسل فضَّلنا بعضهم على بعضٍ منهم من كَلَّم الله ورَفَعَ بعضهم دَرَجَاتٍ ) البقرة/253 ، فأخبرنا الله أن بعضهم فوق بعض درجات ولذلك كان المصطفى من الرسل هم ألو العزم قال تعالى : ( وإذ أخذنا من النَّبيينَ ميثاقَهُمْ ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً ) الأحزاب/7 .
ومحمد صلى الله عليه وسلم أفضلهم ويَدَلُّ لذلك أنه إمامهم ليلة المعراج ، ولا يقدم إلا الأفضل ومما يدل على أنه أفضلهم ما جاء عن أَبُي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ " رواه مسلم ( الفضائل/4223)
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم يَوْم الْقِيَامَة , وَأَوَّل مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْر , وَأَوَّل شَافِع وَأَوَّل مُشَفَّع ) قَالَ الْهَرَوِيُّ : السَّيِّد هُوَ الَّذِي يَفُوقُ قَوْمه فِي الْخَيْر , وَقَالَ غَيْره : هُوَ الَّذِي يُفْزَعُ إِلَيْهِ فِي النَّوَائِب وَالشَّدَائِد , فَيَقُومُ بِأَمْرِهِمْ , وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ مَكَارِههمْ , وَيَدْفَعُهَا عَنْهُمْ . وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَوْم الْقِيَامَة ) مَعَ أَنَّهُ سَيِّدهمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة , فَسَبَبُ التَّقْيِيد أَنَّ فِي يَوْم الْقِيَامَة يَظْهَرُ سُؤْدُده لِكُلِّ أَحَدٍ , وَلا يَبْقَى مُنَازِع , وَلا مُعَانِد , وَنَحْوه , بِخِلافِ الدُّنْيَا فَقَدْ نَازَعَهُ ذَلِكَ فِيهَا مُلُوكُ الْكُفَّار وَزُعَمَاء الْمُشْرِكِينَ . قَالَ الْعُلَمَاء : وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم ) لَمْ يَقُلْهُ فَخْرًا , بَلْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْفَخْر فِي غَيْر مُسْلِم فِي الْحَدِيث الْمَشْهُور : ( أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم وَلا فَخْرَ ) وَإِنَّمَا قَالَهُ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا اِمْتِثَال قَوْله تَعَالَى : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّك فَحَدِّثْ ) وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ الْبَيَان الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغه إِلَى أُمَّته لِيَعْرِفُوهُ , وَيَعْتَقِدُوهُ , وَيَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ , وَيُوَقِّرُوهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا تَقْتَضِي مَرْتَبَتُهُ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى . وَهَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِتَفْضِيلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ ; لأَنَّ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَنَّ الآدَمِيِّينَ أي أهل الطاعة والتقى أفضل مِنْ الْمَلائِكَة , وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَل الآدَمِيِّينَ وَغَيْرهمْ . وَأَمَّا الْحَدِيث الآخَر : " لا تُفَضِّلُوا بَيْن الأَنْبِيَاء " فَجَوَابه مِنْ خَمْسَة أَوْجُه : أَحَدهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ قَبْل أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ سَيِّد وَلَد آدَم , فَلَمَّا عَلِمَ أَخْبَرَ بِهِ . وَالثَّانِي قَالَهُ أَدَبًا وَتَوَاضُعًا . وَالثَّالِث أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إِلَى تَنْقِيص الْمَفْضُول . وَالرَّابِع إِنَّمَا نَهْيٌ عَنْ تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إِلَى الْخُصُومَة وَالْفِتْنَة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور فِي سَبَب الْحَدِيث . وَالْخَامِس أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِالتَّفْضِيلِ فِي نَفْس النُّبُوَّة , فَلا تَفَاضُلَ فِيهَا , وَإِنَّمَا التَّفَاضُل بِالْخَصَائِصِ وَفَضَائِل أُخْرَى وَلا بُدَّ مِنْ اِعْتِقَادِ التَّفْضِيل , فَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) وَاَللَّه أَعْلَم .أهـ
وخصائص النبي صلى الله عليه وسلم التي تؤكد أفضليته على باقي الرسل كثيرة نذكر بعضا منها مما جاء في الكتاب والسنة :
أن الله عز وجل خصَّ القرآن الكريم المُنَزَّل عليه بالحفظ دون غيره من الكتب ، قال تعالى : ( إنّا نحن نزَّلنا الذِّكر وإنّا له لحافظون ) الحجر/9 ، أما الكتب الأخرى فقد وَكَلَ الله أمْرَ حفظها إلى أهلها قال تعالى : ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور يَحْكُم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربَّانِيُّون والأحبار بما اسْتُحْفِظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ) المائدة/44 .
أنه خاتم الأنبياء والمرسلين قال تعالى : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) الأحزاب/40 .
اختصاصه بأنه أرسل إلى الناس عامة قال تعالى : ( تَبَارَكَ الذي نَزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ) الفرقان/1 .
ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم في الأخرة :
أنه صاحب المقام المحمود يوم القيامة قال تعالى : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يَبْعَثَكَ ربك مقاماً محموداً ) الإسراء/79 ، قال ابن جرير : قال أكثر أهل التأويل : ذلك المقام الذي يقومه صلى الله عليه وسلم للشفاعة يوم القيامة للناس ، لِيُرِيحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم . تفسير ابن كثير5/103
أنه سيد الخلق يوم القيامة ، وتقدم ذكر الحديث فيه .
أنه أول من يَجُوزُ الصِّراط بأمته يوم القيامة أخرج البخاري في ذلك حديث أبي هريرة الطويل ، وفيه ….." فأكون أول من يَجُوزُ من الرسل بأمته " (الأذان/764) . ومن الأدلة الواضحة على أنه أفضل الأنبياء أنهم كلهم لا يشفعون ، ويحيل الواحد منهم الناس على الآخر ، حتى يحيلهم عيسى على محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقول : أنا ، ثمَّ يتقدم فيشفع للجميع ، فيحمده على ذلك الأولون والآخرون ، والأنبياء وسائر الخلق .
وخصائصه عليه الصلاة والسلام التي وردت الآيات والأحاديث الصحيحة أكثر من أن نذكرها في مقام مُوجَز ، فقد أُلِّفَتْ فيها الكتب .
انظر كتاب خصائص المصطفى صلى الله عيه وسلم بين الغلو والجفاء للصادق بن محمد 33-79
والخلاصة : أننا نفضل نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عن سائر الأنبياء والناس ، للأدلة الواردة في ذلك ، مع حفظنا لحقوق جميع الأنبياء والمرسلين والإيمان بهم وتوقيرهم . والله تعالى أعلم .
تعليق