الحمد لله.
الزنا كبيرة عظيمة ، وفاحشة منكرة ، تسلب صاحبها اسم الإيمان ، وتعرضه للعذاب والهوان ، إلا أن يتوب ، قال الله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) الإسراء/32 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) رواه البخاري (2475) ومسلم (57) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ ، فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ ) رواه أبو داود (4690) والترمذي (2625) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وأخبر صلى الله عليه وسلم عن عذاب الزناة في القبر ، وأنهم يعذبون بالنار. رواه البخاري (1320) .
ولقبح هذه الجريمة جعل الله عقوبة من فعلها الرجم حتى الموت إن كان محصنا ، والجلد مائة جلدة إن لم يكن محصنا .
قال الله تعالى في بيان حد الزاني البكر - أي غير المحصن - : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) النور/2 .
أما المحصن فحده الرجم بالحجارة حتى الموت ، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (1690) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خُذُوا عَنِّي ، خُذُوا عَنِّي ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ ) .
والثيب : هو المحصن ، رجلا كان أو امرأة .
والمحصن : هو الحر البالغ العاقل الذي وطئ في نكاح صحيح .
فلا يحصل الإحصان بمجرد عقد النكاح ولو حصلت معه خلوة ، بغير خلاف بين الفقهاء ، بل لابد من الوطء في القبل .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/41) : " الرجم لا يجب إلا على المحصن بإجماع أهل العلم ، وفي حديث عمر : ( أن الرجم حق على من زنى وقد أحصن ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : ذكر منها : أو زنا بعد إحصان ) .
وللإحصان
شروط سبعة :
أحدها : الوطء في القبل , ولا خلاف في اشتراطه ; لأن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : (الثيب بالثيب جلد مائة والرجم) ، والثيابة تحصل بالوطء في القبل , فوجب
اعتباره ، ولا خلاف في أن عقد النكاح الخالي عن الوطء , لا يحصل به إحصان ; سواء
حصلت فيه خلوة , أو وطء دون الفرج , أو في الدبر , أو لم يحصل شيء من ذلك ; لأن هذا
لا تصير به المرأة ثيبا , ولا تخرج به عن حد الأبكار , الذين حدهم جلد مائة وتغريب
عام , بمقتضى الخبر ، ولا بد من أن يكون وطئا حصل به تغييب الحشفة في الفرج ; لأن
ذلك حد الوطء الذي يتعلق به أحكام الوطء .
الثاني : أن يكون في نكاح ; لأن النكاح يسمى إحصانا ; بدليل قول الله تعالى : ( والمحصنات من النساء ) ، يعني المتزوجات ، ولا خلاف بين أهل العلم , في أن الزنى , ووطء الشبهة , لا يصير به الواطئ محصنا ، ولا نعلم خلافا في أن التسري [ وطء الأمة ] لا يحصل به الإحصان لواحد منهما ; لكونه ليس بنكاح , ولا تثبت فيه أحكامه .
الثالث : أن يكون النكاح صحيحا ، وهذا قول أكثر أهل العلم ، منهم عطاء , وقتادة , ومالك , والشافعي , وأصحاب الرأي .
الرابع : الحرية وهي شرط في قول أهل العلم كلهم , إلا أبا ثور .
الشرط الخامس والسادس : البلوغ والعقل , فلو وطئ وهو صبي أو مجنون , ثم بلغ أو عقل , لم يكن محصنا ، هذا قول أكثر أهل العلم , ومذهب الشافعي .
الشرط السابع
: أن يوجد الكمال فيهما جميعا حال الوطء , فيطأ الرجل العاقل الحر امرأة عاقلة حرة
، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه .
وقال مالك : إذا كان أحدهما كاملا صار محصنا , إلا الصبي إذا وطئ الكبيرة , لم
يحصنها " انتهى مختصرا .
وينظر : "الموسوعة الفقهية" (2/224) .
وبهذا يُعلم أن الزوجة المعقود عليها إذا زنت قبل أن يطأها زوجها ، فعقوبتها الجلد ، لا الرجم ؛ لأنها لم تحصن بعد .
والله أعلم .
تعليق