الأربعاء 17 جمادى الآخرة 1446 - 18 ديسمبر 2024
العربية

من الأسباب المعينة على تجاوز الجبن والكسل في الدعوة إلى الله

121584

تاريخ النشر : 23-01-2009

المشاهدات : 23440

السؤال

ما هي الأسباب المعينة على الدعوة , والتخلص من تلبيسات الشيطان أثناء الدعوة كاليأس والجبن والكسل وغيرها ؟

الجواب

الحمد لله.

بالتأمل في عوائق اليأس والجبن والكسل - وهي من أخطر العوائق التي تواجه الدعاة - يمكن اقتراح علاجين اثنين مهمين يعينان على مواجهة هذه التحديات :

أولا :

تذكر ما عند الله عز وجل من أجر عظيم وفضل كبير ، فمن أيقن أن الله تعالى هو الذي تكفل له بالأجر والثواب ، وأنه عز وجل ينظر إليه وهو يدل عليه ويرشد الناس إليه ، لم يتردد يوما ولا لحظة في الاستمرار بسعيه ، والاجتهاد في طريقه ، وتجاوز كل ما يدعو إلى اليأس والكسل والجبن ، والداعية الحكيم هو الذي لا تغيب عن خاطره الآيات التي تبشر الدعاة ومعلمي الناس الخير ، كقوله عز وجل : ( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) التوبة/112، وكقوله سبحانه: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ . نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ . وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فصلت/30-33.

ثانيا :

قراءة سير الدعاة إلى الله تعالى ، والتركيز على سيرة سيد الدعاة محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك للاطلاع على شيء من علو همم هؤلاء الدعاة العظام ، والاقتباس من نورهم ، والاقتداء بهديهم ، وكيف أنهم لم يكسلوا ولم يجبنوا ولم ييأسوا ، بل كان شعار الجميع ما قاله صلى الله عليه وسلم حين ظن ملك الجبال أنه صلى الله عليه وسلم يئس من قومه فعرض عليه أن يهلكهم بأمر الله ، فأجابه صلى الله عليه وسلم جواب الواثق المطمئن : ( بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) رواه البخاري (3231) ومسلم (1795)

فأي يأس يبقى بعد أن يرى الداعية هذه الهمة العظيمة ، وأي جبن يبقى بعد أن يقرأ ما لقيه الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان والعلماء الكرام في سبيل إيصال هذه الشريعة النقية إلينا اليوم ، ألم يُقتل الآلاف من خيرة الناس في هذا السبيل ، ألم يعذب مثلهم من الصالحين، ألم يُبتل بالسجن والحرمان من لا يحصيهم إلا الله ، فأي فضل يرجو مَن يقعد في بيته ، ويتكاسل عن نشر دين الله ونصرة الحق والعدل في الأرض ، أيظن أنه يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ، أم يظن أن الموازين يوم القيامة تبخس الناس أعمالهم ، وقد سبقتنا قرون سابقة من الهمم العالية في هذا المضمار ، فمن اطلع على سيرهم ، ووقف على أخبارهم انبعثت نفسه للعمل ، وقامت همته كما قامت همم الأوائل ، وقد قال خالد بن الوليد رضي الله عنه : ( فلا نامت أعين الجبناء ) رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق ".

يقول الدكتور سيد العفاني حفظه الله :

" قال أحمد بن داود أبو سعيد الواسطي :

دخلت على أحمد الحبس قبل الضرب ، فقلت له في بعض كلامي : يا أبا عبد الله : عليك عيال ، ولك صبيان ، وأنت معذور . كأني أسهل عليه الإجابة ، فقال لي أحمد بن حنبل : إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد فقد استرحت !!

وما أكثر ما يقال مثل هذا للدعاة اليوم ، وما أكثر من يفهم الإسلام ثم يحدث نفسه بمثل هذا ، فيجبن وينزوي ولا يشارك الدعاة سيرهم ، وإنما هو حديث من استراح ، كما يقول الإمام أحمد ، وأما من لدغ واقعُ المسلمين قلبَه فأنَّى له الراحة ؟! وأنَّى يَدَعُ لصبيانه وزوجه تخذيله وتقييده عن الاندفاع للدعوة لدين الله ؟

وهل الموت إلا بآجال ؟

( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) آل عمران/145 .

إن عهد الدعوة لن يقدم أجلا ، ولكنه يرفع إلى الفراديس .  

فإن لم يكن المسلم مع أحمد ، أو مع ورثة أحمد ، وقعد لعذر أو شبه عذر فإنه مطالب بالأسف وازدراء نفسه على الأقل ، ألا يكون مع القوم الدعاة العاملين ، كما قيل للزاهد بشر بن الحارث الحافي يوم تعذيب أحمد بن حنبل : قد ضرب أحمد بن حنبل إلى الساعة سبعة عشر سوطا ، فمد بشر رجله وجعل ينظر إلى ساقيه ويقول : ما أقبح هذا الساق ؛ أن لا يكون القيد فيه نصرة لهذا الرجل .

إن المسلم الصادق إن عذر نفسه وأفتاها بالتخلف عن ركب الدعاة خوفا من الفتنة وبطش الطغاة، " أو لنوع ضرورة أو ضعف يدريه من نفسه ، أو شبهة ، عرف ما يوجبه ذلك من التواضع وترك التطاول على الدعاة ، ويظل يتهم نفسه في اجتهاده ، ويمنح الصابرين المقتحمين المتجردين للدعوة لسانا جميلا ، يكون لهم فيه نوع سلوة وراحة ، وأما أسير هواه فيجادل ويثرثر ، ويقذف لسانه بكل لفظ صلب ألا يوصف بتخلف ، فيجمع بجداله نقصا إلى نقص والعياذ بالله " انتهى.

" صلاح الأمة في علو الهمة " (2/100-102)

وانظر فصلا مهما بعنوان : " كيف تعلو الهمم " من المجلد السابع من كتاب " صلاح الأمة في علو الهمة " (ص/285- 367)، فقد ذكر فيه ثلاثة وثلاثين سببا معينا على علو الهمة وتجاوز أسباب العجز والكسل .

وننصحك ـ أخانا الكريم ـ بقراءة فصل علو الهمة في الدعوة إلى الله ، (2/5-141) ، وأيضا : رسالة "الحَوْر بعد الكَوْر" ، لفضيلة الشيخ محمد بن عبد الله الدويش ، حفظه الله ، ورسالة "عجز الثقات" ، لفضيلة الشيخ الدكتور محمد موسى الشريف ، حفظه الله .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب