الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

الدهون المستخلصة من الحيوانات غير المأكولة

12670

تاريخ النشر : 28-08-2002

المشاهدات : 42051

السؤال

ورد في الإجابة على السؤال رقم ( 210 ) وجود خلاف بين العلماء حول استخدام المواد المستخلصة من الحيوانات في المنتجات غير المأكولة مثل الدهون والصابون ، وما إذا كان يمكننا –نحن المسلمين- استخدام مثل تلك المنتجات . أرجو منك توضيح هذه النقطة بالإضافة إلى شرح لمعنى الآية والحديثين أدناه : قال تعالى: " قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا.. الآية " الأنعام 145 . والحديث : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة : إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ، فقيل : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ، فقال : لا ، هو حرام ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : قاتل الله اليهود ، إن الله لما حرم شحومها جملوه ، ثم باعوه فأكلوا ثمنه . رواه البخاري ( 2121 ) ومسلم ( 1581 ) . والحديث الثاني : عن ابن عباس قال : تُصدِّق على مولاةٍ لميمونة بشاةٍ ، فماتت ، فمرَّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به ؟ فقالوا : إنها ميتة ، فقال : إنما حرُم أكلُها . رواه مسلم ( 363 )

الجواب

الحمد لله.

أولاً :

أما حكم استعمال الشحوم والدهون من الحيوانات المحرمة في صناعة الصابون وغيرها فقد ذكرنا في السؤال المشار إليه أن فيه خلافاً وأنه الأرجح تحريمه والمنع من استعماله .

وسيأتي زيادة بيان – إن شاء الله – في النقاط التالية .

ثانياً :

أما قوله تعالى : قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ  الأنعام / 145 فمعناه كما يأتي :

قل لا أجد فيما أوحي إلي شيئاً محرَّماً : يقول تعالى آمراً عبدَه ورسولَه محمَّداً صلَّى الله عليه وسلم : قل يا محمَّد لم يحرِّم ربي من المطعومات غير هذه الأشياء ، وما عداه فحلال .

على طاعمٍ يطعمه   أي : آكل يأكله .

إلا أن يكون ميتة وهي ما مات حتف أنفه كالموقوذة والمتردية والنطيحة ، أو ما ذُبح بغير تذكية شرعيَّة .

أو دماً مسفوحاً أي : دماً سائلاً ، بخلاف غيره كالكبد والطحال ، وبخلاف الدم الذي يبقى في اللحم والعروق بعد الذبح .

أو لحم خنزير وهو الحيوان المعروف .

فإنه رجس أي : خبيث نجس مضر .

أو فسقاً أُهلَّ لغير الله به أي : ذُبح على اسم غيره .

فمن اضطر إلى شيء مما ذكر فأكله غير باغ أي : مريد لأكلها من غير اضطرار ولا عاد .

فإن ربك غفور رحيم غفور له ما أكل ، رحيم به .

هذا ، مع التنبيه على وجود محرَّمات أخرى غير ما ذُكر في هذه الآية ، وقد جاء تحريمها متأخراً عنها وذلك مثل تحريم " كل ذي نابٍ من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير " ، وتحريم " لحوم الحمر الأهليَّة " .

ثالثاً :

حديث جابر رواه البخاري ( 2121 ) ومسلم ( 1581 ) .

ولفظه : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة : إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ، فقيل : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ، فقال : لا ، هو حرام ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : قاتل الله اليهود ، إن الله لما حرم شحومها جملوه ، ثم باعوه فأكلوا ثمنه . وأما معناه :

فواضح أنه سيق لبيان حكم بيع الخمر – وهي ما خامر العقل وغطاه وتشمل كل أنواعه – والميتة والخنزير – وسبق بيانهما قبل قليل – والأصنام – وهي ما يُصنع من خشب أو نحاس أو ذهب أو غيرها على صورة آدمي أو حيوان - .

ثم أراد الصحابة - رضي الله عنهم – استثناء بيع شحوم الميتة من التحريم لما فيها من المنافع ، وهي : استعمالها في طلي السفن حفاظاً على خشبها من الماء ، واستعمالها في دهن الجلود من أجل ترطيبها ، واستعمالها في إضاءة المصابيح .

فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأشياء موجبة لاستثناء التحريم ، فقال " لا ، هو حرام " .

ثمَّ بيَّن فعل اليهود ، وهو أنهم أذابوا الشحوم التي حرَّمها الله عليهم وحوَّلوها إلى مواد أخرى كالشمع ، ثم باعوها وأكلوا ثمنها .

وقد اختلف العلماء على ماذا يعود الضمير " هو " في قوله صلى الله عليه وسلم " لا ، هو حرام " ، فذهب بعضهم إلى أن الحرام هو الانتفاع ، وذهب آخرون إلى أن الحرام هو البيع ، وهذا القول هو الذي صححه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قال في الشرح الممتع ( 8 / 136 ) :

( وهذا القول هو الصحيح : أن الضمير في قوله : ( هو حرام ) يعود على البيع حتى مع هذه الانتفاعات التي عددها الصحابة رضي الله عنهم ، وذلك لأن المقام عن الحديث في البيع .

وقيل : هو حرام ، يعني الانتفاع بها في هذه الوجوه ، فلا يجوز أن تُطلى بها السفن ، ولا أن تدهن بها الجلود ، ولا أن يستصبح بها الناس ولكن هذا القول ضعيف .

والصحيح : أنه يجوز أن تطلى بها السفن ، وتدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ) . اهـ

وقال الصنعاني :

والضمير في قوله " هو حرام " يحتمل أنه للبيع ، أي : بيع الشحوم حرام ، وهذا هو الأظهر ؛ لأن الكلام مسوق له ؛ ولأنه قد أخرج الحديث أحمد وفيه " فما ترى في بيع شحوم الميتة " الحديث ، ويحتمل أنه للانتفاع المدلول عليه بقوله " فإنها تطلى بها السفن " إلى آخره ، وحمله الأكثر عليه ، فقالوا : لا ينتفع من الميتة بشيء إلا بجلدها إذا دبغ .    

ومن قال : الضمير يعود إلى البيع استدل بالإجماع على جواز إطعام الميتة الكلاب ولو كانت كلاب الصيد لمن ينتفع بها ، وقد عرفت أن الأقرب عود الضمير إلى البيع فيجوز الانتفاع بالنجس مطلقاً ويحرم بيعه لما عرفت ، وقد يزيده قوة قوله في ذم اليهود إنهم جملوا الشحم ثم باعوه وأكلوا ثمنه فإنه ظاهر في توجه النهي إلى البيع الذي ترتب عليه أكل الثمن ، وإذا كان التحريم للبيع جاز الانتفاع بشحوم الميتة والأدهان المتنجسة في كل شيء غير أكل الآدمي ودهن بدنه ( أي لا يجوز للآدمي أكل شحوم الميتة والأدهان بالأدهان المتنجسة ) فيحرمان كحرمة أكل الميتة والترطب بالنجاسة ، وجاز إطعام شحوم الميتة الكلاب وإطعام العسل المتنجس النحل وإطعامه الدواب ، وجوز جميع ذلك مذهب الشافعي ونقله القاضي عياض عن مالك وأكثر أصحابه وأبى حنيفة وأصحابه والليث .…    

وفي الحديث : دليل على أنه إذا حرُم بيعُ شيءٍ حرُم ثمنُه ، وأن كل حيلة يتوصل بها إلى تحليل محرم فهي باطلة .

" سبل السلام " ( 3 / 6 ) .

رابعاً :

وأما حديث ميمونة : فرواه البخاري ( 1421 ) ومسلم ( 363 ) – واللفظ له لأنه ليس في البخاري لفظ " الدباغ " - .

ولفظه :  

عن ابن عباس قال : تُصدِّق على مولاةٍ لميمونة بشاةٍ ، فماتت ، فمرَّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به ؟ فقالوا : إنها ميتة ، فقال : إنما حرُم أكلُها .

وأما معناه :

فقد كان لميمونة مولاة عندها شاة تصدَّق بها بعضهم عليها ، فلما ماتت ظنوا أنه لا يجوز الانتفاع بها كليّاً ، فرموْها ، فمرَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه ، فلما رآها قال لهم لمَ لا تأخذون جلد هذه الميتة فتنتفعوا بها ؟ فقالوا له : إنها ميتة ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : إن المحرم هو أكلها أما غير الأكل كالانتفاع بالجلد فيجوز بعد دباغه .

وقد اختلف العلماء في حكم جلد الميتة إذا دبغ ، وقد اختار الشيخ ابن عثيمين أن الدباغ يطهر جلد الميتة إذا كان من حيوان مأكول اللحم كالأبل والبقر والغنم ، أما إذا كان من حيوان لا يؤكل لحمه كالخنزير فإنه لا يطهر بالدباغ .

الشرح الممتع 1 / 72

قال شيخ الإسلام - بعد أنْ ذكر أقوال العلماء -:

ومأخذ التردُّد أنَّ الدباغ هل هو كالحياة فيطهِّر ما كان طاهراً في الحياة ؟ أو هو كالذكاة ؛ فيطهِّر ما طُهِّر بالذكاة ؟ والثانـي : أرجح ، ودليل ذلك " نَهْيُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ " كما رُوي عن أسامة بن عمير الذهلي: " أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ " رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي، زاد الترمذي" أنْ تُفْتَرَشَ " ، وفي هذا القول جمعٌ بَيْن الأحاديث كلها .

" مجموع الفتاوى " ( 21 / 95 – 96 ) .

 والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب