الحمد لله.
ليس هذا تشكيكاً في علم الله تعالى ، وكيف يكون تشكيكاً والعبد يريد بهذا الكلام طلب الخير من الله عز وجل ، وأن يرشده إليه ؟
وكيف يكون تشكيكاً وهو يقول في هذا الدعاء : (إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ) ؟
وكيف يكون تشكيكاً وهو يقول : (فَإِنَّكَ تَقْدِرُ، وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) ؟
قال الحافظ في "الفتح" :
" وَقَوْله (إِنْ كُنْت) اِسْتَشْكَلَ الْكَرْمَانِيُّ الْإِتْيَان بِصِيغَةِ الشَّكّ هُنَا وَلَا يَجُوز الشَّكّ فِي كَوْن اللَّه عَالِمًا ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الشَّكّ فِي أَنَّ الْعِلْم مُتَعَلِّق بِالْخَيْرِ أَوْ الشَّرّ لَا فِي أَصْل الْعِلْم " .
فالمعنى : أنك يا رب إما أن تكون تعلم هذا الأمر خيراً لي أو تعلمه شراً لي ، فإن كان خيراً فيسره .
وليس المعني : إما أن تكون تعلم هذا الأمر خيراً لي ، أو لا تعلم - حاشا لله - .
قال في تحفة الأحوذي :
قَالَ الطِّيبِيُّ : " مَعْنَاهُ : اللَّهُمَّ إِنَّك تَعْلَمُ , فَأَوْقَعَ الْكَلَامَ مَوْقِعَ الشَّكِّ عَلَى مَعْنَى التَّفْوِيضِ إِلَيْهِ وَالرِّضَا بِعِلْمِهِ فِيهِ , وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْبَلَاغَةِ تَجَاهُلَ الْعَارِفِ وَمَزْجَ الشَّكِّ بِالْيَقِينِ . ويُحْتَمَلُ : أَنَّ الشَّكَّ فِي أَنَّ الْعِلْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْخَيْرِ أَوْ الشَّرِّ لَا فِي أَصْلِ الْعِلْمِ اِنْتَهَى . قَالَ الْقَارِي : وَالْقَوْلُ الْآخَرُ هُوَ الظَّاهِرُ ، وَنَتَوَقَّفُ فِي جَوَازِ الْأَوَّلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى " اِنْتَهَى .
وهذا الأسلوب معروف مشهور في الأحاديث ، وفي كلام العرب :
ففي حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة ، قال كل واحد منهم : ( اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا ) متفق عليه ، واللفظ للبخاري (3215) .
قال الحافظ في "الفتح" (6/507) :
" قوله : ( اللهم إن كنت تعلم ) فيه إشكال ؛ لأن المؤمن يعلم قطعا أن الله يعلم ذلك . وأجيب بأنه تردد في عمله ذلك هل له اعتبار عند الله أم لا ؟ وكأنه قال : إن كان عملي ذلك مقبولا فأجب دعائي " انتهى .
وروى البخاري (7029) عن ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا ... الحديث ، وفيه : (فلما اضْطَجَعْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ قُلْتُ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِيَّ خَيْرًا فَأَرِنِي رُؤْيَا) .
والله أعلم .
تعليق