الحمد لله.
نسأل الله لهذا الزوج الهداية للرشد والتوفيق للصواب ، فإن ما ما يقوم به من قضاء معظم وقته في الحمام مما لا ينبغي أن يصدر من مسلم ، فإن الحمامات إنما بنيت لقضاء الحاجة والاستحمام ، لا للجلوس والقراءة والاستجمام .
وفي جلوسه فيها فترة طويلة محاذير جمة ، منها :
أولاً : أن الحمامات في الغالب لا تخلو من النجاسات والقاذورات ، وجلوسه فيه يعرضه لملابستها ، والمسلم مأمور باجتناب النجاسات والتنزه عنها .
ثانياً : أن أماكن قضاء الحاجة تحضرها الشياطين كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم .
فعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَة ٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ ) . رواه أبو داود (6) وصححه الألباني في الصحيحة (1070) .
( الْحُشُوشَ ) هي أماكن قضاء الحاجة .
( مُحْتَضَرَةٌ ) أي تحضرها الشياطين .
( الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ ) أي ذكران الشياطين وإناثهم .
فمواضع قضاء الحاجة مواطن الشياطين ، ولذلك أمرنا بالاستعاذة عند دخولها .
قال الخطابي : " الشياطين تحضر تلك الأمكنة وترصدها بالأذى والفساد ؛ لأنها مواضع يُهجر فيها ذكر اللّه ، وتُكشف فيها العورات ". انتهى "معالم السنن" (1 / 22).
قال الشيخ ابن جبرين : " ومعلوم أن الشياطين تألف الأماكن المستقذرة ، وتألف الأماكن النجسة ، فإذا لم يتحفظ الإنسان من الشياطين عبثت به ... فأوقعته في نجاسة ، أو في خبث حسي أو معنوي ، والحسي يتمثل بأن يتقذر بالنجاسة ولا يبالي ، وأما معنوي فبأن يوسوس ويتوهم ويقع في وساوس شيطانية تدوم معه ، فلأجل ذلك أُمر بالاستعاذة وبذكر اسم الله تعالى ". انتهى من شرحه لأحاديث عمدة الأحكام ( الدرس الثاني).
وقال الشيخ ابن عثيمين : " وفائدة هذه الاستعاذة : الالتجاء إلى الله عز وجل من الخبث والخبائث لأن هذا المكان خبيث ، والخبيث مأوى الخبثاء فهو مأوى الشياطين ، فصار من المناسب إذا أراد دخول الخلاء أن يقول : أعوذ بالله من الخبث والخبائث حتى لا يصيبه الخبث وهو الشر ، ولا الخبائث وهو النفوس الشريرة ". انتهى "الشرح الممتع" (1/ 83) .
ثالثاً : أن في البقاء في الحمام فترة طويلة من غير حاجة كشف للعورة من غير مبرر ، ولا يجوز للرجل كشف عورته ، حتى ولو كان خاليا ، إلا لحاجة .
عن معاوية بن حيدة قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ ؟.
قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ .
فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ .
قَالَ: إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ .
قُلْتُ: وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا .
قَالَ: فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ .
رواه الترمذي (2769) وأبو داود (4017) وحسنه الألباني في آداب الزفاف صـ36.
رابعاً : أن العلماء قد كرهوا إطالة القعود في الخلاء لغير حاجة .
قال شيخ الإسلام : " ولا يطيل المقام لغير حاجة ؛ لان المقام فيه لغير حاجة مكروه ؛ لأنه مُحْتَضر الشياطين وموضع إبداء العورة ". انتهى " شرح العمدة" (1/60).
وقال الفقيه ابن حجر الهيتمي : " ويكره إطالة المكث في محل قضاء الحاجة " انتهى من تحفة المحتاج (2/241).
والواجب على المسلم ، واللائق بحاله ، أن ينزِّه نفسه عن الخبث والنجس من الأقوال والأفعال وأن ينأى بنفسه عن أماكن هذا الخبث والنجس ، بل لو كان ذلك مباحاً له ، لكان ينبغي أن يمنعه طيب حاله من إلف هذه الأماكن وإطالة الجلوس فيها .
والله أعلم .
تعليق