الحمد لله.
دين الإسلام دين رحمة وعدل ، أمرنا بالدعوة إلى دين الله بالتي هي أحسن ، وترغيب الناس في الدخول في هذا الدين العظيم ، فإن أصر بعض الناس على رفض دين الله وقام في وجه الحكم بما أنزل الله في الأرض وحاربوا الدعوة إلى الله فإننا نخيرهم بين ثلاثة أشياء :
إما الإسلام ، فإن أبوا فالجزية ( وذلك بأن يدفعوا مبلغاً معيناً للمسلمين مقابل أن يبقوا في أرضهم ويقوم المسلمون بحمايتهم ) فإن أبوا فحينئذٍ لم يبق لهم إلا الطريق الذي اختاروه لأنفسهم وهو القتال وإعمال السيف في رقاب الذين آذوا المسلمين وعرقلوا سير الدعوة الإسلامية ووقفوا حجر عثرة في طريق المسلمين لأن ذلك يجعل المسلمين أعزة ، والأعداء أذلة حتى إذا أثخناهم في المعركة قتلاً وجرحاً ، وتم لنا الرجحان عليهم رجحنا الأسر - المعبر عنه بشدِّ الوثاق - ؛ لأنه يكون حينئذٍ من الرحمة الاختيارية وتكون الحرب ضرورة تُقدر بقدرها وليس المراد بها سفك الدماء ، وحب الانتقام .
فإذا استولى المسلمون عليهم وساقوهم إلى المكان المُعدّ لهم فإنه لا ينبغي لهم أن يؤذوهم أو يُعذبوهم بضرب أو جوع أو عطش أو تركهم في الشمس أو البرد أو لسعهم بالنار المُحرقة ، أو تكميم أفواههم وآذانهم وأعينهم ووضعهم في أقفاص الحيوانات ، بل رفق ورحمة ، وإطعام وترغيب في الإسلام .
فهذا ثمامة بن أثال – سيد بني حنيفة – جئ به أسيراً ، فرُبط بسارية المسجد ، فجاء إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : ماذا عندك يا ثمامة ؟
قال : عندي يا محمد خير ، إن تقتل تقتل ذا دم – أي أستحق القتل لأني قتلت من المسلمين - ، وإن تُنعم تُنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل تُعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثلاثة أيام وفي كل يوم يأتي إليه فيسأله مثل هذه الأسئلة ويجيبه ثمامة بمثل إجابته تلك ، وبعد اليوم الثالث أمر بفك أساره ، فانطلق إلى نخلٍ قريب من المسجد فاغتسل ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله ، ثم قال : يا رسول الله : والله ما كان على الأرض أبغض إلى من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليَّ ، والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إليَّ ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك فأصبح بلدك أحب إليَّ ، وإن خيالتك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى ؟
فبشره رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم،وأمره أن يعتمر ، فلما قدم مكة قال له قائل : صبوت ؟
فقال : لا ، ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولا والله لا يأتينكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
فتأمل رحمك الله هذه القصة ، وكيف أثرت المعاملة الحسنة في ثمامة إلى أن اقتادته إلى الإسلام ، وما كان ذلك ليحصل لولا توفيق الله ثم المعاملة الكريمة التي لقيها ثمامة .
أما في كتاب الله فقد قال الله تعالى في الأبرار : ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا قال ابن كثير – رحمه الله - : "قال ابن عباس كان أسراهم يومئذ مشركين ويشهد لهذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء ... قال مجاهد هو المحبوس أي يطعمون الطعام لهؤلاء وهم يشتهونه ويحبونه . انتهى
حكم ربط الأسرى : من المعلوم أن الأسرى لو تمكنوا من الفرار لما ترددوا لأنهم قد يخافون من نهاية مصيرهم ، ولا يعلمون ماذا سيقابلهم ، لذلك أُمر المسلمون بربط الأسير ، وشدِّ يديه إلى عنقه خوفاً من فراره وهو أمرٌ لا يزال سارياً ومعروفاً لدى الناس جميعاً .
ويبدو أن الحكمة من مشروعية الأسر كسر شوكة العدو ودفع شرِّه بإبعاده عن ساحة القتال لمنع فاعليته وأذاه ، فضلاً عن توفير أسباب افتكاك أسرى المسلمين بمن عندنا .
حبس الأسرى ...
وحبس الأسير سياسة لاستبانة الأصلح : فلإمام المسلمين حبس الأسرى حتى يرى فيهم وجه المصلحة ، فإما أن يقبل فيهم الفداء بالمال ، أو يبادلهم بأسرى مسلمين ، أو يُطلقهم منّاً بلا مقابل أو يوزعهم على المسلمين رقيقاً وسبياً ، أو يقتل الرجال دون النساء والأولاد لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلهم .
والغاية من حبس الأسير هي الاحتراز والتحفظ ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بهم خيراً ، بينما كان الروم ومِن قبلهم الآشوريون والفراعنة يَسمِلُون عيون الأسرى (أي يفقأون أو يكحلون أعينهم بالمسامير المحمَّاة ) ويسلخون جلودهم ويُطعمونها الكلاب ، حتى فضَّل الأسرى السجناء الموت على الحياة . وينظرأحكام السجن ومعاملة السجناء في الإسلام لحسن أبي غدة 256.
تعليق