الحمد لله.
أولاً:
ليُعلم أن السؤال اشتمل على مسألتين : من هو المحرم للمرأة في السفر ، ومن الذي يرفع الخلوة المحرَّمة بين رجل وامرأة أجنبية عنه ؛ إذ ليس شرطاً فيمن يمنع تلك الخلوة أن يكون محرَماً ، كما سيأتي بيانه ، إن شاء الله .
ثانياً:
المحرَم للمرأة هو : كل مَن تحرم عليه على التأبيد لقرابة أو رضاع أو مصاهرة كأبيها
وابنها وأخيها .
وهل يشترط في المحرم أن يكون من البالغين ؟ اشترط ذلك الحنابلة . ورأى جمهور
العلماء أن المحرم إذا كان مميزاً مراهقاً – قريباً من البلوغ – وتأمن المرأة على
نفسها معه ، فإن ذلك كافٍ ، وجعلوا المراهق في حكم البالغ .
ففي " الموسوعة الفقهية " ( 36 / 340 ) : " ذهب الحنفية والشافعية وهو الظاهر من
مذهب المالكية: إلى اعتبار المراهق كالبالغ الذي لا يجوز للمرأة السفر إلا برفقته
إن كان من محارمها.
وخالف في ذلك الحنابلة فاشترطوا أن يكون المحرَم بالغاً عاقلاً ، قال ابن قدامة :
قيل لأحمد فيكون الصبي محرَماً ؟ قال : لا ، حتى يحتلم ؛ لأنه لا يقوم بنفسه ؛ فكيف
يخرج مع امرأة ، وذلك لأن المقصود بالمحرم حفظ المرأة ولا يحصل إلا من البالغ
العاقل " انتهى .
والأحوط ما ذهب إليه الحنابلة من اشتراط بلوغ المحرَم ، وهو أقرب لتحقيق مقصد الشرع
من وجود المحرم .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" .. الولد متى يكون محرماَ لأمه؟ هل هو بالبلوغ أو بالتمييز؟ " .
فأجاب : " المحرم بارك الله فيك! يكون مَحْرَماً إذا كان بالغاً عاقلاً، فمن لم
يبلغ فليس بمحرم، ومن كان في عقله خلل فليس بمحرم " انتهى من "لقاءات الباب
المفتوح" (123/20/ترقيم الشاملة) ، وينظر جواب السؤال رقم (170300) .
ثالثاً:
وأما المسألة الثانية وهي من يرفع الخلوة المحرمة بين رجل وامرأة أجنبيين : فالجواب
عليه : أن " المراد بالخلوة المنهي عنها : أن تكون المرأة مع الرجل في مكان يأمنان
فيه من دخول ثالث " – كما في " الموسوعة الفقهية " ( 7 / 88 ) – وأما من يرفع تلك
الخلوة المحرمة فهم أصناف :
1. الزوج .
قال النووي – رحمه الله - : " لو كان معها زوجها كان كالمحرم وأولى بالجواز " انتهى
من " شرح مسلم " ( 9 / 109 ) .
2. محرَم المرأة – السابق ذِكر أمرِه - وهو يرفع الخلوة بلا ريب ؛ لنص الحديث على
ذلك ؛ ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لاَ يَخْلونَّ رَجُلٌ
بِامْرَأةٍ إِلاَّ وَمَعَها ذُو مَحْرَم ) وإنه إذا صلح محرماً لها في السفر فأولى
أن يرفع الخلوة المحرمة في الحضر .
3. وجود طفل مميز يُستحيى منه.
4. وجود امرأة مأمونة أو أكثر .
قال النووي – رحمه الله - : " وأمَّا إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما
: فهو حرام باتفاق العلماء ، وكذا لو كان معهما من لا يُستحى منه لصغره كابن سنتين
وثلاث ونحو ذلك ؛ فإن وجوده كالعدم " انتهى من " شرح النووي " ( 9 / 109 ) .
وقال – أيضاً - : " والمشهور : جواز خلوة رجل بنسوة لا محرَم له فيهن ؛ لعدم
المفسدة غالباً ؛ لأن النساء يستحين من بعضهن بعضاً " انتهى من " المجموع " ( 7 /
87 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : " إذا كان مع المرأة مثلُها
انتفت الخَلوة " انتهى من " الشرح الممتع " ( 4 / 251 ) .
5. وجود رجل مأمون أو أكثر .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - : " أما إذا كان معهما رجل آخر أو أكثر
، أو امرأة أخرى أو أكثر : فلا حرج في ذلك إذا لم يكن هناك ريبة ؛ لأن الخلوة تزول
بوجود الثالث أو أكثر " انتهى من " فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 556 ) .
وننبه إلى أن قولنا بأن وجود امرأة أو
أكثر يرفع الخلوة لا يعني جواز سفر النساء مع ذلك الرجل الأجنبي ، فوجود امرأة أو
أكثر يرفع الخلوة بهن ، لكنه ليس مبيحاً لسفرهن معه ، بل لا بدَّ لكل امرأة من محرم
لها في السفر .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - : " أما إذا كان معهما رجل آخر أو أكثر
، أو امرأة أخرى أو أكثر : فلا حرج في ذلك إذا لم يكن هناك ريبة ؛ لأن الخلوة تزول
بوجود الثالث أو أكثر .
وهذا في غير السفر ، أما في السفر : فليس للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرَم " انتهى
من " فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 556 ) .
وقال الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله - : " أما إذا كان معه امرأتان فأكثر
: فلا بأس ؛ لأنه لا خلوة حينئذٍ بشرط أن يكون مأموناً ، وأن يكون في غير سفرٍ "
انتهى من " فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 555 ) .
ولينتبه إلى أن لفظ " المحرم " جاء في
حديث واحد في جملتين ، كان في الأولى منهما المراد منه نفي الخلوة المحرَّمة ، ولذا
قال بعض الفقهاء إنه يدخل بهذا اللفظ " محرَم الرجل " ؛ لأن المقصود بالحكم نفي
الخلوة ، وهو يحصل بوجود مثل أم الرجل أو أخته ، وكان المراد بلفظ " المحرَم " في
الجملة الثانية منه " محرَم المرأة " الذي يسافر بها ، والحديث المقصود هو ما رواه
البخاري ( 1763 ) ومسلم ( 1341 ) عن ابن عباس قال : سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم
يخطب يقول ( لاَ يَخْلونَّ رَجُلٌ بِامْرَأةٍ إِلاَّ وَمَعَها ذُو مَحْرَم ، وَلاَ
تُسَافِر المَرْأةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ) .
قال النووي – رحمه الله - : " ( وَمَعَهَا ذُو مَحْرَم ) يحتمل أن يريد محرماً لها
، ويحتمل أن يريد محرماً لها أو له ، وهذا الاحتمال الثاني هو الجاري على قواعد
الفقهاء ؛ فإنه لا فرق بين أن يكون معها محرم لها كابنها وأخيها وأمها وأختها ، أو
يكون محرماً له كأخته وبنته وعمته وخالته ، فيجوز القعود معها في هذه الأحوال "
انتهى من " شرح مسلم " ( 9 / 109 ) .
والخلاصة :
1. المحرم الذي يجب أن يكون مرافقاً للمرأة في سفرها هو زوجها ، أو كل من حرم عليه
نكاحها على التأبيد من البالغين بالإجماع ، واختلف العلماء في المراهق الذي قارب من
البلوغ ، ممن تحصل به كفاية وتأمن المرأة على نفسها برفقته فذهب الجمهور إلى كونه
يصلح أن يكون محرماً وهو أرجح ، وخالفهم الحنابلة فاشترطوا فيه البلوغ ، وهو أحوط .
2. وترتفع الخلوة بين رجل وامرأة أجنبية عنه بوجود زوج ، أو محرم لها ، أو محرم له
، أو وجود رجل أو أكثر مأمونين ، أو وجود امرأة أو أكثر مأمونات ، أو وجود طفل مميز
يستحيى منه ، وأما الصغير الذي لا يستحيى منه فوجوده كعدمه .
والله أعلم
تعليق