الخميس 9 شوّال 1445 - 18 ابريل 2024
العربية

زوَّجها أخوها من غير رضا الأب ثم وافق بعد سنة

13929

تاريخ النشر : 27-04-2001

المشاهدات : 15864

السؤال

تزوجت منذ عام ، وقد كان أخي وليا عني ، لأن أبي كان يعارض تزويجي . وبعد مرور عام ، قبل والدي زواجي وهو سعيد بذلك . لكني أتريب أحيانا بخصوص صحة نكاحي وشرعيته .

الجواب

الحمد لله.

أولاً : نوجه نصيحة للآباء .

الواجب على الآباء البِدَار بتزويج من لهم ولاية عليهم من النساء إذا تقدَّم لخطبتهن أحد ، وكان كفؤاً ورضيت المرأة بذلك ، ومن يخالف ذلك فإنما هو مخالف لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إذا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ  ) رواه الترمذي ( النكاح/1004) وحسَّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (865 ) ، ولا يجوز عضلهن لأي غرض من الأغراض التي لم يشرعها الله ورسوله .

والعضل كما عرَّفه ابن قدامة قال : وَمَعْنَى الْعَضْلِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ التَّزْوِيجِ بِكُفْئِهَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ , وَرَغِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ . انظر المغني ج/7 ص/24 ، فينبغي على الأولياء التعجيل في تزويج مولياتهم وذلك لأن فيه حفاظاً لهن عن الوقوع فيما حرّمه الله ، وحتى لا يقع الولي أيضاً فيما حرّمه الله من الإثم بالعضل . والأَصْلُ أَنَّ عَضْلَ الْوَلِيِّ مَنْ لَهُ وِلايَةُ تَزْوِيجِهَا مِنْ كُفْئِهَا حَرَامٌ ; لأَنَّهُ ظُلْمٌ , وَإِضْرَارٌ بِالْمَرْأَةِ فِي مَنْعِهَا حَقَّهَا فِي التَّزْوِيجِ بِمِنْ تَرْضَاهُ , وَذَلِكَ لِنَهْيِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ فِي قَوْلِهِ مُخَاطِبًا الأَوْلِيَاءَ : ( فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُن َّ) البقرة/232

ثانيا :

الحكم في هذه المسألة له صورتان :

الصورة الأولى : إذا كان الوليّ الأقرب عاضلاً للمرأة ـ وتقدَّم تعريف العضل ـ فإنه يصح أن يزوِّج الولي الأبعد حتى مع وجود الأقرب لأنه يكون حينئذٍ لا ولاية له .

قال المرداوي : قَوْلُهُ ( وَإِنْ عَضَلَ الأَقْرَبُ زَوَّجَ الأَبْعَدُ ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ . وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ .. . وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله مِنْ صُوَرِ الْعَضْلِ : إذَا امْتَنَعَ الْخُطَّابُ مِنْ خِطْبَتِهَا , لِشِدَّةِ الْوَلِيِّ .

الإنصاف ج/5 ص/74

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وَإِذَا رَضِيَتْ رَجُلا وَكَانَ كُفُؤًا لَهَا وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهَا كَالأَخِ ثُمَّ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِهِ , فَإِنْ عَضَلَهَا وَامْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا , زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ الأَبْعَدُ مِنْهُ ..

الفتاوى الكبرى ج/3 ص/83  

قال ابن قدامة : إذَا عَضَلِهَا وَلِيُّهَا الأَقْرَبُ , انْتَقَلَتْ الْوِلايَةُ إلَى الأَبْعَدِ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .. المغني لابن قدامة ج/7 ص/24

قال الشيخ ابن عثيمين : إذا منع الأب تزويج بنته لكفء فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى .

فتاوى إسلامية ج/3 ص/149

الصورة الثانية : إذا زوَّج الأبعد مع وجود الولي الأقرب ولم يكن الولي عاضلاً لها :

قال المرداوي : ( وَإِذَا زَوَّجَ الأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِلأَقْرَبِ , أَوْ زَوَّجَ أَجْنَبِيٌّ : لَمْ يَصِحَّ ) الإنصاف ج/8 ص/82  .

وقال البهوتي : ( وَإِذَا زَوَّجَ الأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِلا قُرْبٍ ) لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ... لأَنَّ الأَبْعَدَ لا وِلايَةَ لَهُ مَعَ الأَقْرَبِ . كشَّاف القناع ج/5 ص/56 .

ويتفرَّع من هذه المسألة ، ما إذا أجاز الولي الأقرب هذا النكاح فما حكمه ؟

إن أجاز الوليّ الأقرب هذا النكاح هل تصحح إجازته النكاح أم لا ؟!

قال العلماء : مَسْأَلَةٌ : ( وَإِذَا زَوَّجَهَا مَنْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ , وَهُوَ حَاضِرٌ , وَلَمْ يَعْضُلْهَا , فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ ) . هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامٍ ثَلاثَةٍ ; أَحَدُهَا , أَنَّهُ إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ الأَبْعَدُ , مَعَ حُضُورِ الْوَلِيِّ الأَقْرَبِ ,  فَأَجَابَتْهُ إلَى تَزْوِيجِهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ , لَمْ يَصِحَّ .

وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .

وَقَالَ مَالِكٌ : يَصِحُّ ; لأَنَّ هَذَا وَلِيٌّ , فَصَحَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِإِذْنِهَا كَالأَقْرَبِ .

الْحُكْمُ الثَّانِي , أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَقَعُ فَاسِدًا , لا يَقِفُ عَلَى الإِجَازَةِ , وَلا يَصِيرُ بِالإِجَازَةِ صَحِيحًا , ...وَالنِّكَاحُ فِي هَذَا كُلِّهِ بَاطِلٌ , فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ . وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ .

وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى , أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى الإِجَازَةِ ; فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ , وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ فَسَدَ .

( إنْكَاحُ الْفُضُولِيِّ ) والفضولي :

وهو َفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ الْفُضُولِيُّ عَلَى مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِلا إذْنٍ شَرْعِيٍّ وَذَلِكَ لِكَوْنِ تَصَرُّفِهِ صَادِرًا مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ وَلا وَكَالَةٍ وَلا وِلايَةٍ . الموسوعة الفقهية ج/32 ص/171

وقد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إنْكَاحِ الْفُضُولِيِّ مِنْ غَيْرِ وِلايَةٍ أَوْ نِيَابَةٍ عَلَى أَقْوَالٍ منها :

لِلْحَنَابِلَةِ , وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ : هُوَ أَنَّ إنْكَاحَ الْفُضُولِيِّ بَاطِلٌ لا تُؤَثِّرُ فِيهِ  إجَازَةُ الْوَلِيِّ . ( أي لا بد من إعادة العقد من جديد ) .

وَالثَّانِي : لأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ , وَأَبِي يُوسُفَ : وَهُوَ أَنَّ إنْكَاحَ الْفُضُولِيِّ صَحِيحٌ , لَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ , فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ , وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ .

الموسوعة الفقهية ج/32  ص/175

والخلاصة : أن الزوج لو كان كفؤا لك ، ورفضه الأب ، كان عاضلا ، وصح تزويج أخيك لك . وأما إن كان غير كفؤ لك ، لفسقه وعدم صلاحه مثلا ، فزوجك أخوك ، ثم رضي الأب بعد ذلك وأجاز النكاح ، فالعقد صحيح عند بعض العلماء ـ كما رأيت ـ ، وإن كنتِ تريدين مزيداً من الاطمئنَانِ والخروج من خلاف أهل العلم فأعيدوا عقد النكاح ، ولا يلزم لذلك إلا الإيجاب من ولِّيك ـ وهو الأب ـ والقبول من الزوج ، وشهادة رجلين مسلمين .

ونسأل الله لك التوفيق .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد