الحمد لله.
إذا أراد الدائن أو المدين تسديد الديون المؤجلة قبل وقتها فإنه يجوز خصم بعض الدين مقابل التعجيل في السداد .
وهذه المسألة تسمى عند العلماء بمسألة (ضَعْ وتَعَجَّلْ) أي ضع بعض الدين المؤجل ، وتعجل في تسديده .
وقد اختلف العلماء في جواز هذه المعاملة ، فذهب أكثر العلماء إلى تحريمها ، واحتجوا : بأن هذه المعاملة تشبه الربا المجمع على تحريمه وهو : الزيادة في الدين مقابل التأخير . وفي هذه الصورة نقص الدين مقابل التعجيل .
قال السرخسي في كتابه "المبسوط" :
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ , وَهُوَ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَحَطَّ عَنْهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ مَا بَقِيَ فَلا خَيْرَ فِيهِ . . . لأَنَّ هَذَا مُقَابَلَةُ الأَجَلِ بِالدَّرَاهِمِ وَمُقَابَلَةُ الأَجَلِ بِالدَّرَاهِمِ رِبًا , أَلا تَرَى أَنَّ فِي الدَّيْنِ الْحَالِّ لَوْ زَادَهُ فِي الْمَالِ لِيُؤَجِّلَهُ لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ فِي الْمُؤَجَّلِ إذَا حَطَّ عَنْهُ الْبَعْضَ لِيُعَجِّلَ لَهُ مَا بَقِيَ اهـ
وقال ابن رشد المالكي في كتابه "بداية المجتهد" (2/144) : وعمدة من لم يُجِزْ "ضع وتعجل" أنه شبيه بالزيادة مع النظرة [أي التأجيل] المجمع على تحريمها اهـ .
وذهب آخرون إلى جوازها . . منهم عبد الله بن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهم . وهو أحد القولين لكل من الإمامين الشافعي وأحمد ، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وأجازها ابن عابدين من فقهاء الحنفية كما في حاشيته على "الدر المختار" (5 / 160) .
واستدلوا على جوازها بعدة أدلة :
1- منها : ما رواه الحاكم والطبراني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم : لما أمر بإخراج بني النضير جاءه ناس منهم فقالوا : يا نبي الله ، إنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تَحِلَّ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ضعوا وتعجلوا .
قال في مجمع الزوائد فيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف وقد وُثِّق اهـ .
وقال ابن القيم رحمه الله في أحكام أهل الذمة (1/396) : وإسناده حسن ليس فيه إلا مسلم بن خالد الزنجي وحديثه لا ينحط عن رتبة الحسن اهـ .
2- ومنها : قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : إنما الربا أَخِّرْ لي وأنا أزيدك ، وليس عَجِّلْ لي وأنا أضع عنك .
3- ومنها : أن هذه المعاملة فيها مصلحة للطرفين (الدائن والمدين) فالدائن يستفيد تعجيل الدين ، والمدين يستفيد بوضع بعض الدين عنه .
وأجابوا عن دليل من حَرَّم ذلك ، بأن قياس هذه المعاملة على الربا لا يصح ، لأنها عكس الربا . ففي الربا يزيد الدين مقابل زيادة الأجل . وهنا نقص الدين ونقص الأجل . فكيف تقاس المسألة على عكسها ؟! وهذا هو معنى كلام ابن عباس السابق .
قال ابن القيم رحمه الله :
وهذا ضد الربا فإن ذلك يتضمن الزيادة في الأجل والدين ، وذلك إضرار محض بالغريم ، ومسألتنا تتضمن براءة ذمة الغريم من الدين وانتفاع صاحبه بما يتعجله ، فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر ، بخلاف الربا المجمع عليه ، فإن ضرره لاحق بالمدين ، ونفعه مختص برب الدين ، فهذا ضد الربا صورة ومعنى اهـ
وسئلت اللجنة الدائمة عن هذه المسألة فقالت :
[هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم ، والصحيح من قوليهم جواز الوضع والتعجيل وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار الشيخين ابن تيمية وابن القيم ومنسوب إلى ابن عباس رضي الله عنهما ... اهـ ]
فتاوى اللجنة (13/168) .
ومن قرارات المجمع الفقهي :
الحطيطة من الدين المؤجل ، لأجل تعجيله ، سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين ، (ضع وتعجل) جائزة شرعاً ، لا تدخل في الربا المحرم اهـ
والله أعلم .
تعليق