الحمد لله.
مد بعض الأئمة التكبير عند الجلوس للتشهد من أجل تنبيه المأمومين على أنه سيجلس للتشهد ، ليس له أصل من السنة ، ولم نقف على كلام لأحد من أهل العلم بتخصيص الجلوس للتشهد بمد التكبير من أجل هذه العلة التي يراعيها بعض الأئمة .
لكن الذي قاله بعض العلماء هو استحباب مد جميع تكبيرات الانتقال في الصلاة حتى يكون التكبير مستوعباً لجميع الانتقال إلى الركن ، وهذا القول أيضاً لا دليل عليه من السنة .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (146676) .
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
بعض أئمة المساجد في أثناء التكبير في الصلاة عند الجلوس عند الشهد الأول أو الأخير تكون نبرة الصوت عندهم متساوية في جميع التكبيرات وهذا يحدث إرباكاً للمصلين وخصوصاً الذين لم يلحقوا إلا الركعة الثانية فهو يجلس للتشهد الأول وهذا المصلي قد يقف ظناً منه أنه قام للركعة الثانية حيث إنه لم يغير من نبرة صوته لينتبه المصلون بالجلوس للتشهد الأول وكذلك الحال لو صف المأموم في بداية الركعة الثالثة أو الرابعة فسوف يتكرر هذا الإرباك بين المصلين ، آمل من فضيلتكم إيضاح ذلك الأئمة عموماً وهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في هذا الموضع أعني تخفيض الصوت عند الجلوس للتشهدين أم أن هناك نصاً يمنع من ذلك مع الإيضاح والتفصيل جزاكم الله خيراً؟
فأجاب :
"ما ذكره السائل من أن بعض الأئمة لا يفرقون في التكبير بين القيام والجلوس والركوع والسجود هو ظاهر السنة فإني لا أعلم إلى ساعتي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفرق بين التكبيرات بل ظاهر السنة أن تكبيراته سواء وقد ثبت في الحديث الصحيح أنه صلى عليه الصلاة والسلام ذات يوم على المنبر. المنبر كما هو معروف درج فكان عليه الصلاة والسلام يقوم ويركع وهو على المنبر فإنه إذا أرد السجود نزل من على المنبر وسجد على الأرض ثم قال : (إنما فعلت هذا لتأتموا بي وتتعلموا صلاتي) وفي هذه إشارة إلى أنه لا يفرق بين التكبير لأنه لو فرق بين التكبيرات لكان الناس يعرفون أنه راكع أو ساجد أو جالس أو قائم في التكبيرات ، ولا أعلم أيضاً أن أحداً من أهل العلم قال إنه يفرق بين تكبيرات الجلوس والسجود والركوع ، غاية ما وقفت عليه من كلام العلماء أن بعض العلماء قال : ينبغي أن يمد التكبير إذا سجد أو قام من السجود لطول الفصل بين السجود والقيام ، وأما أن يفرق بين الجلوس في التشهد الأخير والجلوس ما بين السجدتين أو التشهد الأول والجلوس لما بين السجدتين هذا فلا أعلم له أصلاً من السنة .
وعلى هذا ؛ فما كان يفعله الأئمة الذين شكاهم هذا السائل هو ظاهر السنة ولا ينكر عليهم ، وأما ارتباك المأمومين فإن ارتباكهم في الغالب يكون لغفلتهم حيث يسرحون في الوساوس وأحاديث النفس ولا يتابعون الإمام إلا على نبرات صوته ، لكن إذا كان لا يفرق بين التكبيرات كان هذا أدعى لحضور قلوبهم وانتباههم ، لأن الإنسان لا يحب أن يقوم والناس جلوس ، أو أن يجلس والناس قيام فتجده قد شد نفسه وانتبه إلى إمامه أشد مما لو كان يتابع مجرد نغمات الصوت .
وأما من دخل في أثناء الصلاة فهذا ربما يحصل منه ارتباك وإن كان حاضر القلب سيصلي إلى جنبه أناس قد سبقوه في الدخول في الصلاة فسوف يراهم ثم يتابع الإمام على حسب ما يرى المأمومين الذين خلفه ، ولا شك أن الإنسان كما يأتم بالإمام يأتم بمن خلفه إذا كانوا يأتمون بالإمام" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (8/2). بترقيم الشاملة
وسئل أيضاً : هل نراعي أحوال كبار السن حيث يرغبون بأن نمد تكبيرة التشهد؟
فأجاب :
" يشير هذا السائل إلى ما يفعله كثير من الأئمة يجعلون لكل تكبيرة من فعل من أفعال الصلاة خاصية ، فمثلا يمدون التكبير إذا جلسوا للتشهد ، ولا يمدونها إذا جلسوا بين السجدتين ، ويمدون التكبير إذا قاموا من التشهد الأول ، ولا يمدونه إذا قاموا من السجود إلى القيام ، وما أشبه ذلك ، وقد حرصت غاية الحرص على أن أجد لهذا أصلا من السنة وهل كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك فلم أجد ، واستعنت ببعض إخواني الذين لديهم علم واسع في الحديث فلم يجدوا ، وحينئذ يبقى التكبير على طبيعته في جميع الانتقالات على نمط واحد ، لأنه لو كان يتغير لبيَّنه الصحابة رضي الله عنهم كما بَيَّنوا قوله بعد الوتر : (سبحان الملك القدوس) ثلاثا ، قالوا : ويمد صوته بالثالثة ، ففرَّقوا حين فَرَّق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ثم إن في عدم التفريق مصلحة للمأموم وهو أن يشد نفسه ويعرف في أي ركعة هو ، لأنه يخشى أن يكون في محل القعود أو بالعكس ، وإذا كان الإمام يميز صار المأموم كأنه آلة تابعة متى مد التكبير جلس أو قام ، ومتى قصره جلس ولا يشكل على هذا شيء أبدا ، إلا المسبوق ، فالمسبوق ربما يشكل عليه لأن الإمام سوف يكبر تكبيرا واحدا لا يختلف ، فإذا جلس للتشهد الأول والمأموم قد دخل معه في الركعة الثانية أشكل على المأموم ، ولكن الجواب على هذا أن نقول : المأموم إلى جانبه أحد لم يكن مسبوقا فليقتدِ به ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (تقدموا فأتموا بي ، وليأتم بكم من بعدكم) لذلك أرى أن يبقى هذا الإمام على ما هو عليه من عدم التمييز بين التكبير ، لأنه أقرب إلى السنة ، وكبار السن يألفون هذه الطريق بعد ذلك" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" الشريط رقم (376)
وقال أيضاً :
"لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين ولا عن الصحابة فيما أعلم، ولا عن الأئمة وأتباعهم التفريق بين تكبيرات الانتقال، بحيث يجعل للجلوس هيئة معينة كمد التكبير وللقيام هيئة أخرى مخالفة، ولا رأيت هذا في كتب الفقهاء رحمهم الله ، وغاية ما رأيت أن بعض الفقهاء استحب مد تكبير السجود من القيام والقيام من السجود حتى يستوعب التكبير ما بين الركنين القيام والقعود، ولم أجد لذلك دليلاً سوى هذا التعليل.
وبناء على ذلك فإن الأولى عدم التفريق بين التكبيرات اتباعاً للسنة ...
والأصل فيما لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم من العبادات وهيئاتها أو صفاتها الإمساك حتى يرد ذلك، والمصلحة كل المصلحة في اتباع ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
وأرجو من إخواني إذا عثروا على دليل من قوله أو فعله حجة في التفريق بين التكبير أن يدلوني عليه فإني لهم عليه شاكر وله منقاد إن شاء الله. والله الموفـق" انتهى .
"مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين" (13/64) .
والله أعلم
تعليق