الحمد لله.
إن أحكام الدين الإسلامي وحي من الله سبحانه وتعالى ، وقد قدَّر الله عز وجل أن يكون هذا الدين هو خاتمة الأديان ، وأن يكون نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء ، وقد أرسله الله تعالى إلى الناس كافة وجعل القرآن كتابه المعجز إلى يوم القيامة ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وحي من الله تعالى كذلك .
فلا عجب أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأشياء من عند ربه سبحانه وتعالى ، ويكون فيها الإعجاز حيث تكون حجة الله على خلقه ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس طبيباً وقد أخبر عن أشياء أثبت الطب الحديث صحة كلامه ونفعه ، ولم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم مختبرات ولا أشعة ومع ذلك فقد أخبر عن أشياء لم يقف الناس على حقيقتها إلا بعد تحليلها في المختبرات ورؤيتها بالمجاهر .
والأمثلة على ذلك كثيرة ، وليس الموضع موضع بسطها ، والكلام الآن منحصر في الحجامة . وقد سبق الكلام عن الحجامة وبعض فوائدها في إجابة السؤال رقم ( 21406 ) .
ما هي الحجامة ؟
هي إخراج الدم الفاسد الذي يتكون تحت الجلد .
وهي من الأدوية :
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الشفاء في ثلاثة : في شرطة مِحجَم ، أو شربة عسل ، أو كية بنار ، وأنا أنهى أمتي عن الكي " .
رواه البخاري ( 5356 ) .
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن كان في شيء من أدويتكم أو يكون في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم ، أو شربة عسل ، أو لذعة بنار توافق الداء ، وما أحب أن أكتوي " .
رواه البخاري ( 5359 ) ومسلم ( 2205 ) .
وقد أوصت الملائكةُ النبي صلى الله عليه وسلم وأمته بالحجامة :
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما مررت ليلة أسري بي بملأ من الملائكة ، إلا كلهم يقول لي : عليك يا محمد بالحجامة " .
وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2263 ) .
وقد احتجم نبينا صلى الله عليه وسلم :
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم ، واحتجم وهو صائم .
رواه البخاري ( 1836 ) .
وقد بيَّن بعض أصحابه أنه احتجم لوجع في رأسه وهي " الشقيقة "
عن ابن عباس " احتجم النبي صلى الله عليه وسلم في رأسه وهو محرم من وجع كان به بماء يقال له لَحْي جَمَل " .
وعنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به " .
رواه البخاري ( 5374 ) .
عن ابن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم بطريق مكة وهو محرم وسط رأسه .
رواه البخاري ( 1739 ) ومسلم ( 1203 ) .
لحي جمل : موضع بطريق مكة .
واحتجم أصحابه وأوصوا بها :
روى مسلم (2205) عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ : جَاءَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَهْلِنَا وَرَجُلٌ يَشْتَكِي خُرَاجًا بِهِ أَوْ جِرَاحًا ، فَقَالَ : مَا تَشْتَكِي ؟ قَالَ : خُرَاجٌ بِي قَدْ شَقَّ عَلَيَّ . فَقَالَ : يَا غُلَامُ ، ائْتِنِي بِحَجَّامٍ . فَقَالَ لَهُ : مَا تَصْنَعُ بِالْحَجَّامِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ؟ قَالَ : أُرِيدُ أَنْ أُعَلِّقَ فِيهِ مِحْجَمًا . قَالَ : وَاللَّهِ إِنَّ الذُّبَابَ لَيُصِيبُنِي أَوْ يُصِيبُنِي الثَّوْبُ فَيُؤْذِينِي وَيَشُقُّ عَلَيَّ ، فَلَمَّا رَأَى تَبَرُّمَهُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ ، أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ . قَالَ : فَجَاءَ بِحَجَّامٍ فَشَرَطَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ .
الوصية بالحجامة في أيام معيَّنة في الشهر :
عن ابن عباس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير يوم تحتجمون فيه سبع عشرة ، وتسع عشرة ، وإحدى وعشرون ، وما مررت بملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا : عليك بالحجامة يا محمد ! .
رواه أحمد ( 3306 ) .
وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 1847 ) .
الوصية باجتناب الحجامة في أيام معينة في الأسبوع
وهو الذي قرأتْه السائلة في موقعنا ضمن كتيب " المنهيات الشرعيَّة " .
عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحجامة على الريق أمثل ، وفيه شفاء وبركة ، وتزيد في العقل ، وفي الحفظ ، فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس ، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء ، والجمعة ، والسبت ، ويوم الأحد تحريّاً ، واحتجموا يوم الإثنين والثلاثاء ؛ فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب من البلاء ، وضربه بالبلاء يوم الأربعاء ، فإنه لا يبدو جذام ولابرص إلا يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء " .
رواه ابن ماجه ( 3487 ) .
وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (766 ) .
الحجامة في الطب الحديث
وقد ثبت بالطب الحديث الفوائد المتعددة للحجامة ، وألِّف في ذلك مؤلفات متعددة ، ومنها : كتاب " الدواء العجيب الذي شفى من مرض القلب القاتل والشلل والشقيقة والعقم والسرطان ومرض الناعور الوراثي " الهيموفيليا " ، وهو أحدث وأكبر كتاب صدر هذه الأيام للباحث عبد القادر يحيى يتناول علم الحجامة .
ويعتبر هذا الكتاب مرجعاً علميّاً وموسوعةً طبيَّةً فريدةً في العالم بشروحاته المتميزة وإثباتاته العلميَّة ، ويقع فى 12 فصلاً ، ويبلغ عدد صفحاته 500 صفحة .
ويطالعنا " الفصل الأخير " بتقارير طبيَّة سريريَّة لحالات بعض المرضى الذين شفوا أو تحسنوا بتطبيق الحجامة من خلال عرض لتقارير خاصة بالمريض قبل الحجامة ، وتقارير خاصة بعد أن طبَّق عملية الحجامة ، ويورد شهادات وآراء أعضاء الفريق الطبي السوري المشارك في أبحاث الحجامة ، والبالغ عددهم 25 طبيباً بين فريق طبي سريري وآخر مخبري .
تفصيل فائدة الحجامة للجسم
1. لقد أثبت العلم الحديث أن الحجامة قد تكون شفاء لبعض أمراض القلب ، وبعض أمراض الدم ، وبعض أمراض الكبد ، ففي حالة شدة احتقان الرئتين نتيجة هبوط القلب وعندما تفشل جميع الوسائل العلاجية من مدرات البول وربط الأيدي والقدمين لتقليل اندفاع الدم إلى القلب فقد يكون إخراج الدم بفصده عاملاً جوهريّاً هامّاً لسرعة شفاء هبوط القلب كما أن الارتفاع المفاجئ لضغط الدم المصحوب بشبه الغيبوبة وفقد التمييز للزمان والمكان أو المصاحب للغيبوبة نتيجة تأثير هذا الارتفاع الشديد المفاجئ لضغط الدم ، قد يكون إخراج الدم بفصده علاجا لمثل هذه الحالة كما أن بعض أمراض الكبد مثل التليف الكبدي لا يوجد علاج ناجح لها سوى إخراج الدم بفصده فضلا عن بعض أمراض الدم التي تتميز بكثرة كرات الدم الحمراء وزيادة نسبة الهيموجلوبين في الدم تلك التي تتطلب إخراج الدم بفصده حيث يكون هو العلاج الناجح لمثل هذه الحالات منعا لحدوث مضاعفات جديدة ومما هو جدير بالذكر أن زيادة كرات الدم الحمراء قد تكون نتيجة الحياة في الجبال المرتفعة ونقص نسبة الأوكسجين في الجو وقد تكون نتيجة الحرارة الشديدة بما لها من تأثير واضح في زيادة إفرازات الغدد العرقية مما ينتج عنها زيادة عدد كرات الدم الحمراء ، ومن ثم كان إخراج الدم بفصده هو العلاج المناسب لمثل هذه الحلات ومن هنا جاء قوله صلى الله عليه وسلم : " خيرما تداويتم به الحجامة " رواه أحمد ( 11634 ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 1053 ) ، وهو قول اجتمعت فيه الحكمة العلميَّة التي كشفتها البحوث العلميَّة مؤخراً .
المصدر " الإعجاز العلمي في الإسلام والسنَّة النبويَّة " لمحمد كامل عبد الصمد .
مع ملاحظة أن المؤلف استعمل كلمة " الفصد " مكان كلمة " الحجامة " ، والمعلوم أن بينهما فرقاً ، فالفصد : هو إخراج الدم من العروق ، وهو أشبه ما يكون بسحب بالدم ، والحجامة : إخراج الدم الفاسد من تحت سطح الجلد .
2. قال ابن القيم الجوزية – وهو عالم طبيب - :
والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق والحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس وأجزائه كالوجه والأسنان والأذنين والعينين ( والأنف والحلق إذا كان ) حدوث ذلك عن كثرة الدم أو فساده أو عنهما جميعا .
" زاد المعاد " ( 4 / 55 ، 56 ) .
وقد روى الترمذي (2051) عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ فِي الأَخْدَعَيْنِ وَالْكَاهِلِ .
والأَخْدَعَانِ عِرْقَانِ فِي جَانِبَيْ الْعُنُقِ يُحْجَمُ مِنْهُ , وَالْكَاهِلُ مَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَهُوَ مُقَدَّمُ الظَّهْرِ .
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون في هذا الجواب ما تنتفعين به ، ونسأل الله أن يشرح صدرك للحق ، وييسر لك طريق ما يحب ويرضى .
والله أعلم .
تعليق