الحمد لله.
أولا :
إذا ساوم الإنسان على السلعة ، واتفق مع البائع على سعر معين ، واتفقا على العقد بعد شهر مثلا ، فقد صار له أولية في الشراء عن غيره ، وحرم على غيره أن يسوم على سومه ؛ لما روى مسلم (1408) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ ).
فإذا جاء من يطلب منه التنازل عن هذا الحق ، مقابل عوض مالي ، جاز ذلك لأنه من باب الاعتياض على الالتزام بترك البيع ، ويسمى الالتزام السلبي ، والصحيح جواز الاعتياض عنه.
قال الدكتور عبد الرحمن السند في بحثه " المعاوضة على الالتزام بعدم المنافسة التجارية" ضمن بحوث الندوة الفقهية الأولى في المعاملات المالية التي نظمها: موقع الفقه الإسلامي، والمجموعة الشرعية لبنك البلاد : " فالالتزام هنا، إنما هو امتناعٌ عن فعل، فهو حق ثابت للملتزِم أصالةً، وأراد أن يتنازل عنه على عوض، وقد تحققت الماليّة فيه، إذ المنفعة فيه مقصودة متحققة للباذل. فلا يظهر في الاعتياض عنه محذور شرعي ".
واستشهد لذلك بقول ابن رشد: فيما لو قال شخصٌ يريد شراء سلعةٍ لرجلٍ آخر يريد ذات السلعة : " كُفّ عني، ولك دينار؛ جازَ، ولزمه الدينار ولو لم يشتر. ويجوز أيضا أن يقول: وتكون شريكي فيها، بخلاف ما لو قال: ولك نصفها؛ لأنه أعطى ما لا يملك) انتهى نقلا عن "اتاج والإكيل" للمواق (6/ 250).
وينظر : شرح الخرشي (5/ 83).
هذا إذا كان ما تم هو مجرد مواعدة .
وتكييف هذه المسألة ـ على افتراض أن هذا الاحتمال هو واقع الأمر ـ : أنها معاوضة على حق مالي ، وهو ترك الاستحقاق والأولوية في الشراء .
وأما إن كان العقد بينك وبين المالك قد تم فعلا ،
وقبضت الأرض ، بتخليتها ، فإنك تصير مالكا لها ، ويجوز أن تبيعها لغيرك ولو تأخر
صدور الصك ؛ لأن البيع تم بالعقد .
وننبه على أن العربون لا يجوز إلا مع العقد ، ولا يجوز لمجرد المواعدة كما يفعله
كثير من الناس . وينظر : سؤال رقم (126559)ورقم
(140603) .
وإن كان العقد قد تم ، واشتريت الأرض ، لكن تأخر قبضك لها ، إما إلى أن يتم الإفراغ ، أو لسبب آخر : فليس لك أن تبيعها لغيرك حتى تقبضها فعلا ، وتضع يدك عليها .
ثانيا :
إذا اشترى الإنسان ( بلكا ) أو مجموعة من الأراضي ، وحصل القبض بتخليتها ( وضع يده
عليها) : صارت ملكا له ، وجاز أن يبيعها ويربح فيها ولو كان لم يسدد ثمنها ، أو سدد
نصفه وبقي نصفه إلى حين الإفراغ ( التسجيل وصدور الصك) ؛ لأن التسجيل والصك إنما هو
للتوثيق ، وأما البيع فقد تم بالعقد .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
" اشتريت قطعة أرض وتم تسليمي سند قبض بالمبلغ من البائع ، حتى يتم إصدار صك ملكية
الأرض لي فهل يجوز بيعها قبل صدور الصك ؟ أم أن ذلك داخل في بيع ما لا أملك ، جزاكم
الله خيرا؟
إذا تم البيع بينكما جاز لك التصرف ولو تأخر إصدار الصك ، والله ولي التوفيق "
انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (19/ 61).
وسئل الدكتور سامي بن عبد العزيز الماجد :
" هل كتابة مبايعة بين شخصين اشترى أحدهما من الآخر أرضاً تعني حيازة المبيع؟ أم
يشترط نقل الملكية في الصك للأرض المشتراة؟.
فأجاب : الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وبعد:
فإذا قال البائع: بعتك كذا ، وقال المشتري : قبلت أو اشتريت ، أو حصلت بينهم معاطاة
للثمن والمثمن (البضاعة) فقد تم البيع، لكن يبقى لكن منهما الخيار في إمضاء البيع
أو فسخه، ما داما في مجلس العقد، فإذا تفرقا بأبدانهما بأن كانا - مثلاً- في مجلس
ما، فخرج أحدهما فقد وجب البيع ولزم لكل منهما تسليم ما وجب عليه للآخر؛ فيجب على
البائع أن يسلم البضاعة، ويجب على المشتري أن ينقد للبائع الثمن، إلا إذا اتفقا على
التأجيل.
على أنه لا يجوز للمشتري أن يبيع ما اشتراه حتى يقبضه ويحوزه ، فقد ثبت النهي عن
ذلك في أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقبض العقار، وما لا يمكن نقله : بتخليته، ولا يتصور القبض بأدنى من ذلك، وأما
المنقول فقبضه يتحقق بنقله، وأما نقل الملكية في الصك فلا يعدو أن يكون مجرد إجراء
نظامي إداري، لا علاقة له بلزوم البيع، وليس من تمام شروطه أو صورته، فإذا اشتريت
أرضاً ثم خلى البائع بينك وبينها، وأخذ ما له في الأرض من أثاث أو متاع، فإنه عندئذ
يجوز لك بيعها، حتى ولو لم تنقل ملكيتها في الصك. والله أعلم، وصلى الله على نبينا
محمد " انتهى من "فتاوى الإسلام اليوم".
والله أعلم .
تعليق