الحمد لله.
أولا :
لا يجوز اتخاذ الكلب وتربيته على سبيل الهواية والتسلية مطلقاً ، ولا فرق في ذلك بين وجود الكلب في البيت أو في مكانٍ منعزلٍ خارج البيت .
ويدل على ذلك ما رواه البخاري (5060) ومسلم (2941) عن ابن عمر أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ ، أَوْ مَاشِيَةٍ ، نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ ).
وفي لفظ : ( مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ ...). البخاري (2154) ، ومسلم (2949) .
قال النووي :
" وَقَدْ اِتَّفَقَ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُم اِقْتِنَاء الْكَلْب لِغَيْرِ حَاجَة ، مِثْل أَنْ يَقْتَنِي كَلْبًا إِعْجَابًا بِصُورَتِهِ ، أَوْ لِلْمُفَاخَرَةِ بِهِ ، فَهَذَا حَرَام بِلَا خِلَاف". انتهى من " شرح صحيح مسلم" (1/448).
وذلك لأن " الكلب من البهائم الخسيسة القذرة ، ولما في
اقتنائه من المضار والمفاسد ، من ابتعاد الملائكة الكرام البررة ، عن المكان الذي
هو فيه ، ولما فيه من الإخافة والترويع ، والنجاسة والقذارة .
فإذا دعت الحاجة إليه لبعض ما فيه من منافع ومصالح ، كحراسة الغنم التي يُخشى عليها
من الذئب والسارقين ، ومثل ذلك اقتناؤه للحرث ، وكذلك إذا قصد به الصيد ، فلهذه
المنافع يسوغ اقتناؤه وتزول اللائمة عن صاحبه ". انتهى بتصرف من " تيسير العلام شرح
عمدة الحكام (2/209).
وينظر جواب السؤال (33668) ، (69777).
ثانياً :
عامة من شرح الحديث على أن قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نَقَصَ
مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ ) يفيد التحريم .
ولم يخالف في ذلك ـ فيما نعلم ـ إلا ابن عبد البر من أئمة المحدثين ، وعلماء
المالكية ، فذهب إلى أنه يفيد الكراهة لا التحريم .
قال ابن عبد البر :
" وفي هذا الحديث دليل على أن اتخاذ الكلاب ليس بمحرم وإن كان ذلك الاتخاذ لغير
الزرع والضرع والصيد ؛ لأن قوله (... نقص من أجره كل يوم قيراط ) يدل على الإباحة
لا على التحريم ؛ لأن المحرمات لا يقال فيها : من فعل هذا نقص من عمله أو من أجره
كذا ، بل ينهى عنه لئلا يواقع المطيع شيئا منها، وإنما يدل ذلك اللفظ على الكراهة
لا على التحريم " . انتهى من " الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار" (9/450).
وما ذهب إليه ابن عبد البر قول ضعيف تعقبه فيه غير واحد من أهل العلم .
قال الحافظ العراقي رحمه الله : " وَهُوَ عَجِيبٌ ؛ لِأَنَّ اسْتِدْلَالَنَا عَلَى
التَّحْرِيمِ بِالنُّقْصَانِ مِنْ الْأَجْرِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى
ارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ أَحْبَطَ ثَوَابَ بَعْضِ الْأَعْمَالِ ، كَمَا كَانَ عَدَمُ
قَبُولِ صَلَاةِ شَارِبِ الْخَمْرِ ، وَالْعَبْدِ الْآبِقِ ، وَآتِي الْعَرَّافِ
وَالْكَاهِنِ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ ، فَإِنَّ تَحْرِيمَهَا
هُوَ الَّذِي أَحْبَطَ ثَوَابَهَا ".
وقال : " وَوَجْهُ التَّحْرِيمِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْأَجْرِ لَا يَكُونُ
إلَّا لِمَعْصِيَةٍ ارْتَكَبَهَا ". انتهى من " طرح التثريب " [6 /173]
وقال الحافظ ابن حجر: " ما ادعاه من عدم التحريم واستند له بما ذكره ليس بلازم ، بل
يَحتمل أن تكون العقوبة تقع بعدم التوفيق للعمل بمقدار قيراطٍ مما كان يعمله من
الخير لو لم يتخذ الكلب .
ويَحتمل أن يكون الاتخاذ حراما ، والمراد بالنقص أن الاثم الحاصل باتخاذه يوازي قدر
قيراط أو قيراطين من أجر ، فينقص من ثواب عمل المتخذ قدر ما يترتب عليه من الإثم
باتخاذه وهو قيراط أو قيراطان ". انتهى من " فتح الباري" (5/7).
والله أعلم .
تعليق