الحمد لله.
إذا كانت هذه ابنتكما مسلمة من حيث الأصل ، كما أنكما مسلمان ، وهي التي ارتدت عن دينها ، فالمرتد لا حرمة له في الدين ، بل يستتاب عن ردته ، فإن تاب فبها ونعمت ، وإن لم يتب : فحقه أن يقتل في الشرع ، إذا كان هناك نظام إسلامي يقوم بذلك .
وأما إذا كان الحال كما نرى من أنه لا يوجد نظام يقيم حد الردة على المرتد ، فليس أقل من هجره ، وإظهار بغضه والبراءة منه حتى يرجع إلى دينه ، إن رجع ، وإلا فلا حرمة له ، ولا حق له في الصلة والمعروف .
ويتأكد ذلك إذا أمرك زوجك به ، فليس لك أن تخالفيه في ذلك .
قال ابن مفلح رحمه الله :
" وَقَالَ أَحْمَدُ .. : وَيَجِبُ هَجْرُ مَنْ كَفَرَ ، أَوْ فَسَقَ بِبِدْعَةٍ ، أَوْ دَعَا إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ ، أَوْ مُفَسِّقَةٍ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ عَلَيْهِ ، أَوْ خَافَ الِاغْتِرَارَ بِهِ ، وَالتَّأَذِّي دُونَ غَيْرِهِ وَقِيلَ : يَجِبُ هَجْرُهُ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ السَّابِقِ ، وَقَطَعَ ابْنُ عَقِيلٍ بِهِ فِي مُعْتَقَدِهِ , قَالَ : لِيَكُونَ ذَلِكَ كَسْرًا لَهُ وَاسْتِصْلَاحًا وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَيْضًا : إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْلَمَ مَحَلَّ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ فَلَا تَنْظُرْ إلَى زِحَامِهِمْ فِي أَبْوَابِ الْجَوَامِعِ ، وَلَا ضَجِيجِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ بِلَبَّيْكَ ، وَإِنَّمَا اُنْظُرْ إلَى مُوَاطَأَتِهِمْ أَعْدَاءَ الشَّرِيعَةِ ، عَاشَ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ وَالْمَعَرِّيُّ عَلَيْهِمَا لَعَائِنُ اللَّهِ يَنْظِمُونَ وَيَنْثِرُونَ ... وَعَاشُوا سِنِينَ وَعُظِّمَتْ قُبُورُهُمْ وَاشْتُرِيَتْ تَصَانِيفُهُمْ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُرُودَةِ الدِّينِ فِي الْقَلْبِ !!
وَهَذَا الْمَعْنَى قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى " انتهى من "الآداب الشرعية" (1/255) .
وأما إذا كنت أنت وأبوها غير مسلمين من حيث الأصل ، بل على الدين الذي هي عليه ، ثم وفقكما الله لدينه ، وبقيت هي على دينها ، يعني : أنها كافرة أصلية ، وليست مرتدة : فلا حرج عليك في أن تواصليها ، وتكلميها ، وتفاهمي مع زوجك في ذلك ، فلعل الله أن يهديها على يديكما ، ويشرح صدرها للإسلام .
روى البخاري في صحيحه (5981) أن ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : " رَأَى عُمَرُ حُلَّةَ سِيَرَاءَ تُبَاعُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ وَالْبَسْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِذَا جَاءَكَ الْوُفُودُ .
قَالَ : ( إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ ) . فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا بِحُلَلٍ ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ ، فَقَالَ : كَيْفَ أَلْبَسُهَا وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ ؟
قَالَ : ( إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبَسَهَا وَلَكِنْ تَبِيعُهَا أَوْ تَكْسُوهَا ) .
فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ . " .
وقد عنون عليه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه : باب صلة الأخ المشرك .
نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله عن بعض أهل العلم قوله:
" الْهِجْرَانَ عَلَى مَرْتَبَتَيْنِ الْهِجْرَانُ بِالْقَلْبِ وَالْهِجْرَانُ بِاللِّسَانِ فَهِجْرَانُ الْكَافِرِ بِالْقَلْبِ وَبِتَرْكِ التَّوَدُّدِ وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ حَرْبِيًّا وَإِنَّمَا لَمْ يُشْرَعْ هِجْرَانُهُ بِالْكَلَامِ لِعَدَمِ ارْتِدَاعِهِ بِذَلِكَ عَنْ كُفْرِهِ بِخِلَافِ الْعَاصِي الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ يَنْزَجِرُ بِذَلِكَ غَالِبًا وَيَشْتَرِكُ كُلٌّ مِنَ الْكَافِرِ وَالْعَاصِي فِي مَشْرُوعِيَّةِ مُكَالَمَتِهِ بِالدُّعَاءِ إِلَى الطَّاعَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِنَّمَا الْمَشْرُوعُ تَرْكُ الْمُكَالَمَةِ بِالْمُوَادَّةِ وَنَحْوِهَا" انتهى من "فتح الباريب" (9/497) .
والله أعلم .
تعليق