الحمد لله.
الواجب على المسلم أن يتقي الله في عمله ، ويتحرى الحلال الطيب في كسبه ؛ فإن الله قد ألزم كل عبد طائره في عنقه ، وسائل كل كاسب عن كسبه : من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟ فكل ما كان من معصية الله ومعصية الرسول فالواجب تركه وترك التعاون عليه ، والسعي في تعطيله والحد منه ؛ لقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/2
ولا شك أن الخمر أم الخبائث ، وهي مفتاح كل شر ، وقد لعن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً : ( عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ ) رواه الترمذي (1295) وصححه الألباني .
ومضيف الطيران لا يجوز له تقديم الخمر للمسافرين ؛ لما في ذلك من إقرار الخبث والإعانة عليه ، والواجب عليه أن يريقها أو يتلفها ، متى قدر على ذلك ، أو على الأقل أن يمنع من تناولها وينهى عنها ، وإلا لم يجز له هذا العمل الذي لا يستطيع أن ينكر فيه المنكر ، بل يرغم فيه على الإعانة عليه ، فعليه أن يتركه ويبحث عن الكسب الحلال والعمل المباح .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
ما حكم مضيف الطائرة الذي يفرض عليه حمل الخمور على الطائرة ، وماذا يعمل ؟
فأجابوا : " شرب الخمر حرام ، وبيعه وتصنيعه حرام ، وتقديمه لمن يشربه حرام ؛
لتعاون المقدم له لمن يشربه على الإثم والعدوان ؛ لقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )
وعلى ذلك لا يجوز البقاء في الوظيفة المذكورة وأبواب الرزق واسعة ، والله سبحانه
وتعالى يقول : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (22 /96)
فلا يجوز لمضيف الطائرة تقديم الخمر للركاب ، سواء كان
ذلك قليلا أو كثيرا ، وسواء قدمها مرة أو أكثر من ذلك ؛ فكل ذلك محرم ، وإن كانت
المحرمات تتفاوت ، فمن وقع في ذنب مرات عديدة ، أعظم إثما ممن وقع فيه مرة واحدة ،
وهكذا .
وقول السائل أن الخمر حق للمسافر قول مجانب للصواب تماما ، وكيف يكون حقا له وقد
لعن الله شاربها ؟! وما أوجب الناس من حقوق تخالف أمر الله وحكمه فتلك الحقوق باطلة
؛ لأنها ليست بحقوق أصلا .
وكون الاثنين غير راضيين لا يبيح لهما التعاون على فعل المنكر والتعرض لسخط الله
ولعنته – والعياذ بالله – ، بل عدم الرضا معناه ألا يشارك في الذنب ، ولا يجلس في
مكانه ، كما قال الله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ
إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا
تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا
مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ
جَمِيعًا ) النساء/140 .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" أي: وقد بيَّن الله لكم فيما أنزل عليكم حكمه الشرعي عند حضور مجالس الكفر
والمعاصي أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ
بِهَا أي: يستهان بها . وذلك أن الواجب على كل مكلف ـ في آيات الله ـ : الإيمان
بها ، وتعظيمها ، وإجلالها وتفخيمها، وهذا المقصود بإنزالها ، وهو الذي خَلَق الله
الخَلْق لأجله ، فضد الإيمان الكفر بها، وضد تعظيمها الاستهزاء بها واحتقارها،
ويدخل في ذلك مجادلة الكفار والمنافقين لإبطال آيات الله ونصر كفرهم.
وكذلك المبتدعون على اختلاف أنواعهم، فإن احتجاجهم على باطلهم يتضمن الاستهانة
بآيات الله لأنها لا تدل إلا على حق، ولا تستلزم إلا صدقا، بل وكذلك يدخل فيه حضور
مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه، وتقتحم حدوده التي
حدها لعباده ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ
غَيْرِهِ أي: غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها.
إِنَّكُمْ إِذًا أي: إن قعدتم معهم في الحال المذكورة مِثْلُهُمْ لأنكم
رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية كالفاعل لها، والحاصل أن من حضر مجلسا
يعصى الله به، فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة، أو القيام مع عدمها" انتهى
.
"تفسير السعدي" (210) .
والحاصل : أنه لا يجوز لك أن تحمل الخمر ، أو تناولها
لأحد الركاب ، حتى وإن كانت الشركة تأمر بذلك ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ،
بل أقل ما يجب عليك أن تخفيها ، ولا تطلع الركاب عليها ، وإن بحث عنها أحد فلا تدله
عليها ، وإذا قدر أن أحدهم طلبها ، وألح على ما سمحت له به الشركة ، فلا تكن أنت
الذي يتولى ذلك ، ولا تشارك فيه .
وينظر إجابة السؤال رقم : (1830)
، (96739)
والله أعلم .
تعليق