الحمد لله.
أولاً:
عرَّف الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى البدعةَ بتعريف جامع فقال :
" فكل مَن أحدث شيئًا ، ونسبه إلى الدِّين ، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه : فهو ضلالة ، والدين منه بريء " .
" جامع العلوم والحكم " ( 2 / 128 ) .
فصارت أركان البدعة :
1. الإحداث .
2. أن يضاف هذا الإحداث إلى الدين .
3. ألا يستند هذا الإحداث إلى أصل شرعي يدل عليه.
وتجد تفصيل هذا في جواب السؤال رقم ( 118225 ) .
وانظر جوابي السؤالين ( 10843 ) و ( 128530 ) .
ثانياً:
" المصلحة " في اللغة : المنفعة ، سواء أكانت دنيوية أم أخروية .
و " المرسلة " في اللغة : المُطلقة .
و " المصلحة المرسلة " في الاصطلاح : هي المنفعة التي لم يرد فيها دليل خاص
باعتبارها أو إلغائها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في بيان تعريف " المصالح المرسلة " - :
وهو أن يرى المجتهد أن هذا الفعل يجلب منفعة راجحة ، وليس في الشرع ما ينفيه .
" مجموع الفتاوى " ( 11 / 342 ، 343 ) .
ثالثاً:
ننقل هنا كلاماً علميّاً يضبط مسألة الفروقات والاتفاقات بين البدع والمصالح
المرسلة نختم به الجواب ونرجو أن يكون نافعاً مفيداً .
قال الشيخ محمد بن حسين الجيزاني – وفقه الله - :
أ. وجوه اجتماع البدعة والمصلحة المرسلة :
1. أن كلاًّ من البدعة والمصلحة المرسلة مما لم يعهد وقوعه في عصر النبوة ، ولا
سيما المصالح المرسلة ، وهو الغالب في البدع ، إلا أنه ربما وجدت بعض البدع - وهذا
قليل - في عصره ، كما ورد ذلك في قصة النفر الثلاثة الذين جاءوا يسألون عن عبادة
النبي صلى الله عليه وسلم .
2. أن كلاًّ من البدعة - في الغالب - والمصلحة المرسلة خال عن الدليل الخاص المعين
، إذ الأدلة العامة المطلقة هي غاية ما يمكن الاستدلال به فيهما .
ب. وجوه الافتراق بين البدعة والمصلحة المرسلة :
1. تنفرد البدعة في أنها لا تكون إلا في الأمور التعبدية ، وما يلتحق بها من أمور
الدين ؛ بخلاف المصلحة المرسلة فإن عامة النظر فيها إنما هو فيما عقل معناه ، وجرى
على المناسبات المعقولة التي إذا عُرضت على العقول تلقتها بالقبول فلا مدخل لها في
التعبدات ، ولا ما جرى مجراها من الأمور الشرعية .
2. وتنفرد البدعة بكونها مقصودة بالقصد الأول لدى أصحابها ؛ فهم - في الغالب -
يتقربون إلى الله بفعلها ، ولا يحيدون عنها ، فيبعد جدّاً - عند أرباب البدع -
إهدار العمل بها ؛ إذ يرون بدعتهم راجحة على كل ما يعارضها ، بخلاف المصلحة المرسلة
؛ فإنها مقصودة بالقصد الثاني دون الأول ، فهي تدخل تحت باب الوسائل ؛ لأنها إنما
شرعت لأجل التوسل بها إلى تحقيق مقصد من مقاصد الشريعة ، ويدل على ذلك أن هذه
المصلحة يسقط اعتبارها، والالتفات إليها شرعًا متى عورضت بمفسدة أربى منها ،
وحينئذٍ فمن غير الممكن إحداث البدع من جهة المصالح المرسلة .
3. وتنفرد البدعة بأنها تؤول إلى التشديد على المكلفين وزيادة الحرج عليهم ، بخلاف
المصلحة المرسلة فإنها تعود بالتخفيف على المكلفين ورفع الحرج عنهم ، أو إلى حفظ
أمر ضروري لهم .
4. وتنفرد البدعة بكونها مناقضة لمقاصد الشريعة ، هادمة لها ، بخلاف المصلحة
المرسلة فإنها - لكي تعتبر شرعاً - لا بد أن تندرج تحت مقاصد الشريعة ، وأن تكون
خادمة لها ، وإلا لم تعتبر .
5. وتنفرد المصلحة المرسلة بأن عدم وقوعها في عصر النبوة إنما كان لأجل انتفاء
المقتضي لفعلها ، أو أن المقتضي لفعلها قائم لكن وجد مانع يمنع منه ، بخلاف البدعة
فإن عدم وقوعها في عهد النبوة كان مع قيام المقتضي لفعلها ، وتوفر الداعي ، وانتفاء
المانع .
والحاصل : أن المصالح المرسلة إذا روعيت شروطها كانت
مضادة للبدع مباينة لها ، وامتنع جريان الابتداع من جهة المصلحة المرسلة ؛ لأنها -
والحالة كذلك - يسقط اعتبارها ولا تسمى إذ ذاك مصلحة مرسلة ، بل تسمى إما مصلحة
ملغاة أو مفسدة .
" قواعد معرفة البدع " ( ص 19 ، 20 ) .
والله أعلم
تعليق