الحمد لله.
لا مانع من كتابة القصص إذا التُزمت بذلك الشروط الشرعية المبيحة لكتابتها لنشرها بين الناس ، ومن تلك الشروط :
1. أن لا تكون مشتملة على المخالفات الشرعية التي جاء الشرع بمحاربتها والتحذير منها ، ومن ذلك : الشرك ، والبدعة ، والمنكرات في الأقوال والأفعال والسلوك .
2. أن لا تكون مشتملة على الكذب في الوقائع التاريخية ، أو الأحداث الحقيقية ، فأما إن كانت القصة على سبيل التمثيل والتخيل : فلا بأس بذلك ، كما صنع الحريري في " مقاماته " حيث اخترع شخصية من خياله أسماها " الحارث بن همَّام " .
قال الحريري في مقدمة "مقاماته " : " وأرْجو أنْ لا أكونَ في هذا الهذَرِ الذي أوْرَدْتُهُ ، والمَوْرِدِ الّذي تورّدْتُهُ كالباحِثِ عنْ حتْفِهِ بظِلْفِه ، والجادعِ مارِنَ أنْفِهِ بكفّهِ فألحَقَ بالأخْسَرِينَ أعْمالاً الذينَ ضلّ سعْيُهُمْ في الحياةِ الدُنْيا وهُمْ يحْسِبونَ أنّهُمْ يُحسِنونَ صُنْعاً . على أني وإنْ أغْمَضَ لي الفَطِنُ المُتغابي ، ونضَحَ عنّي المُحبُّ المُحابي : لا أكادُ أخْلُصُ منْ غُمْرٍ جاهِلٍ ، أو ذي غِمْرٍ متَجاهِلٍ ، يضَعُ مني لهَذا الوضْعِ ، ويندّدُ بأنّهُ منْ مَناهي الشّرْعِ ، ومَنْ نقَدَ الأشْياءَ بعَينِ المعْقولِ وأنْعَمَ النّظَرَ في مَباني الأصولِ : نظَمَ هذِه المَقاماتِ في سِلْكِ الإفاداتِ ، وسلَكَها مسْلَكَ الموْضوعاتِ عنِ العَجْماواتِ والجَماداتِ ، ولمْ يُسْمَعْ بمَنْ نَبا سمْعُهُ عنْ تِلكَ الحِكاياتِ ، أو أثّمَ رُواتَها في وقْتٍ من الأوْقاتِ ، ثمّ إذا كانَتِ الأعْمالُ بالنِّيّاتِ ، وبها انْعِقادُ العُقودِ الدِّينِيّاتِ : فأيُّ حرَجٍ على مَنْ أنْشأ مُلَحاً للتّنْبيهِ لا للتّمويهِ ، ونَحا به منحَى التّهْذيبِ لا الأكاذيبِ ؟ وهلْ هُوَ في ذلِك إلا بمنزِلَةِ مَنِ انتَدَبَ لتعْليمٍ ، أو هدَى إلى صِراطٍ مُستَقيمٍ ؟ . " انتهى من " مقامات الحريري " ( ص 17 ، 18 ) .
وعلَّق عليه الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله بقوله : " فهو يقول إنه لم يعرف عن أحد من علماء الأمة إلى زمنه أنه حرم أمثال تلك القصص التي وضعت عن الحيوانات ككتاب " كليلة ودِمنة " وغيره ؛ لأن المراد بها الوعظ والفائدة وصورة الخبر في جزئياتها غير مرادة ، وما سمعنا بعده أيضًا أن أحدًا من العلماء حرّم قراءةَ مقاماتِه ، ولكن اجتهاد بعض المغرورين بالحظوة عند العوام يتجرءون على تحريم ما لم يحرمه الله ورسوله ، ولا حرم مثله أحد من علماء الملة " انتهى من " مجلة المنار " ( 14 / 828 – 830 ) ضمن فتوى بعنوان " تمثيل الوقائع التاريخية والخيالية للاعتبار " .
3. أن تكون ذات أهداف سامية ومعاني جليلة .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : " بعض الأدباء يؤلفون قصصاً ذات مغزى ، وبأسلوب جذاب ، مما يكون له الأثر في نفوس القراء ، ولكنها من نسج الخيال ، ما حكم ذلك ؟ .
فأجابَ رحمه الله بقوله :
" لا بأس بها ، لا بأس بذلك إذا كان يعالج مشاكل دينية أو خُلُقية أو اجتماعية ؛ لأن ضرب الأمثال بقصصٍ مفروضة غير واقعة لا بأس به ، حتى إن بعض العلماء ذكر ذلك في بعض أمثلة القرآن الكريم أنها ليست واقعة ، لكنّ الله ضربها مثلا ، مثل قوله تعالى ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) النحل/ 76 .
فلا أرى في هذا بأساً ؛ لأن المقصود هو التحذير ، ولكن إن حصل أن يكون عند الإنسان علم بما في الكتاب والسنَّة ثم يعرض آيات فيها معالجة لمشاكل ، ويشرحها ويفسرها ويضرب المثل عليها : فهو خير ، وكذلك يذكر أحاديث فيفسرها ويضرب المثل عليها : فهذا أحسن بلا شكَ " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " ( شريط رقم 358 ) .
وانظري جواب السؤال ( 4505 ) .
وفي جواب السؤال رقم : ( 159960 ) تجدين فتوى مفصلة عن الشيخ العثيمين ، وفيها جواز الاكتساب من كتابة تلك القصص إذا كانت قصصاً دنيوية .
ولا نرى فرقاً في جواز الاكتساب بين كتابة القصص الدنيوية والدينية ، وما قيل في القصص من جواز كتابتها وجواز الاكتساب منها يقال في كتابة المقالات والاكتساب منها .
ونسأل الله أن يسدِّد قلمك ، وأن ينفع بك المسلمين .
والله أعلم
تعليق