الحمد لله.
ليس في الكتاب والسنة ما يدل على أن جبريل عليه السلام أو غيره من الملائكة قد رأى الله تعالى ، ومعلوم أن هذا من الغيب الذي لا يثبت إلا بدليل .
وفي حديث المعراج أن جبريل عليه السلام صعد مع نبينا صلى الله عليه وسلم إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام ، ولم يثبت أن أحدا منهما رأى الله عز وجل في هذا المقام .
قال صلى الله عليه وسلم : ( ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ . قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا إِبْرَاهِيمُ - صلى الله عليه وسلم - » . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِىَّ كَانَا يَقُولاَنِ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ عُرِجَ بِى حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ . قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِى خَمْسِينَ صَلاَةً ، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى ...) رواه البخاري (349) ومسلم (263).
وقد اختلف العلماء في هذه الرؤية ، فمنهم من أثبتها ، ومنهم من نفاها .
سئل ابن حجر الهيثمي رحمه الله : " هل الملائكة يرون الله تعالى ؟
فأجاب بقوله : ذكر الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنهم لا يرونه ، وأطال في ذلك الاستدلال له ، وتبعه جماعة ، ورُدَّ بنص إمام أهل السنة الشيخ أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه على أنهم يرونه ذكره في كتابه الإبانة في أصول الديانة ، وتبعه البيهقي وأخرجه بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعن صحابي غيره ، وجرى عليه ابن القيم ، والجلال البلقيني ، وفي حديث صححه الحاكم أن جبريل ما رأى ربه قط قبل سجود النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي ربه في الموقف ، ولا يلزم منه عدم رؤيته بعد ذلك ، ولا عدم رؤية غيره من بقية الملائكة والقول بتخصيص رؤية جبريل ساقط " انتهى من "الفتاوى الحديثية" ص 153
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : "هل الملائكة يرون ربهم في الدنيا أم يوحى إليهم من وراء حجاب؟
فأجاب : الله أعلم " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وسئل الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله : " هناك دليل يستشف منه عدم الرؤية، وهو قول الله -تعالى- في سورة غافر: "الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ"[غافر:7]، فكلمة يؤمنون به قد تكون إشارة إلى هذا المعنى، هل هذا صحيح؟.
فأجاب :
قوله - سبحانه وتعالى- عن الملائكة الذين يحملون العرش، والملائكة الحافين بالعرش، أنهم يؤمنون به لا يستلزم نفي رؤيتهم لله، أو رؤية بعضهم، أو رؤية غيرهم من الملائكة، كما أن الرؤية لا تنافي الإيمان،وكذلك التكليم من الله، فإبراهيم - عليه الصلاة والسلام- رأى كيف يحي الله الموتى وازداد بذلك إيماناً، كما قال -تعالى-: "وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي" الآية [البقرة:260] وموسى -عليه الصلاة والسلام- كلمه الله من وراء حجاب، فلم ينف عنه ذلك الإيمان، فالحاصل أنه لا منافاة بين الإيمان والرؤية، ويشهد لهذا أن موسى - عليه السلام- طلب من ربه النظر إليه ليزداد إيماناً "قال رب أرني أنظر إليك" [الأعراف:143]، نعم الذي ينتفي مع الرؤيا هو الإيمان بالغيب بالنسبة لهذا المرئي، فحملة العرش ومن حول العرش يجوز أن يكونوا قد رأوا الله - سبحانه وتعالى- فحصل لهم أعلى مراتب اليقين، وكذلك المؤمنون إذا رأوا ربهم يوم القيامة انتقلوا من علم اليقين إلى عين اليقين، فإنهم إذا رأوا الله آمنوا به إيمان المشاهدة،وقرت أعينهم بذلك، نعموا برؤيته - سبحانه وتعالى- وسماع كلامه، قال -تعالى-: "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة" [القيامة:22-23]. فنسأل الله لذة النظر إلى وجهه الكريم، والله أعلم " انتهى من "فتاوى الإسلام اليوم".
والحاصل أن هذا الأمر الغيبي لا يجوز إثباته أو نفيه إلا بدليل ، وأن الصواب هو التوقف في المسألة .
والله أعلم .
تعليق